أعمدة

أحمد المسلماني | يكتب: هل تمّ ترشيح السيدة أم كلثوم لجائزة نوبل؟

%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a

فى أكتوبر 2016، فاز الموسيقى الأمريكى «بوب ديلان» بجائزة نوبل فى الأدب. اعترض كثيرون.. وقالت الروائية الأمريكية «جودى بيكولت»: لماذا يحصل موسيقى على جائزة نوبل فى الأدب؟.. الجائزة تخص الأدب وليس الموسيقى.. هل يمكن لى كروائيّة أن أفوز بجائزة «جرامى» فى الموسيقى؟!

( 1 )

«بوب ديلان» شاعر وموسيقى.. أثّر كثيرًا فى الولايات المتحدة فى سنوات الستينيات.. وواصل التأثير فى العقود اللاحقة ليصبح واحدًا من الأسماء البارزة فى الغناء الأمريكى المعاصر. وعبْر مشوارٍ طويلٍ من نشأته فى ولاية مينسوتا وحتى حصوله على جائزة نوبل.. كان موضع اهتمامٍ من الشباب وموضع تقديرٍ من اليسار.. وقد تحالف الشباب واليسار فى إعطائه مكانةً تفوق إنجازاته الموسيقية.

وقد تجلّت هذه المكانة فى علاقته برؤساء وساسة أمريكا.. وصولاً إلى قيام المخرج الشهير «مارتن سكورسيزى» بإخراج فيلم وثائقى عن قصة حياة «بوب ديلان».

( 2 )

جاءت جائزة نوبل بمثابة الصَّدمة لدوائر الأدب والثقافة.. وبمثابة التكريم الأعلى لدوائر الشعر الغنائى والموسيقى. وقد زاد من رونق الصَّدمة.. ذلك الصمت المدهش للفائز بجائزة نوبل عن التعليق على الجائزة، وحديث وسائل الإعلام عن احتمال اعتذاره عنها وعدم حضوره مراسم تسليمها. وكان عدم إمكانية الوصول إليه عبْر الهاتف.. وانتقاد أحد أعضاء لجنة نوبل ما سماه عجرفة وغرور «بوب ديلان» دافعًا للمزيد من الإثارة حول الجائزة وصاحبها.

كثيرون لا يروْن فى أشعار «بوب ديلان» ما يجعله فى مصافّ كبار الشعراء.. لكن الرئيس باراك أوباما قال: «إن بوب ديلان من أفضل الشعراء».

( 3 )

لم يقم «بوب ديلان» على الفور بالإشادة بجائزة نوبل، وتأخر كثيرًا حتى يمتدح الجائزة.. ويعلن فخره بها. لكن وسائل إعلام تحدثّت عن انبهار «بوب ديلان» بصوت السيدة أم كلثوم قبل أن ينبهر بجائزة نوبل.

أعادتْ الصحافة نشر مقال لمؤلف غنائى شهير فى مجلة «The Monthly».. يتحدث المقال عن لقاء «بوب ديلان» المطربة اليونانية العالمية «نانا موسكوري».. التى باعت أكثر من ثلث المليار أسطوانة، وحققت أعلى مبيعات ألبوم غنائى على مرّ التاريخ، وعملت سفيرةً ونائبةً فى البرلمان. التقتْ «موسكوري».. «بوب ديلان».. وأثناء الحديث سألها: منْ هو مطربك المفضّل؟.. قالت: إنها أم كلثوم فى مصر.. إنها ليست مجرد مطربة. وكان ردّ «بوب ديلان»: وأنا أيضًا عاشق لأم كلثوم.

كان ذلك فى عام 1969.. وفى عام 1974 زاد «ديلان» المديح فى حقّ أم كلثوم.. وبعد رحيلها.. زاد أكثر وأكثر.. قال «ديلان»: إن أم كلثوم أكثر من رائعة.. إنها لم تمتْ.. لا يمكن لأحد أن ينساها أبدًا.. إنها حاضرة فى كل مكان.. ببساطة: أم كلثوم من أعظم الفنانين على مرّ التاريخ.

( 4 )

حين قرأت ما نشرته الصحف حول رأى «موسكوري» و«بوب ديلان» فى السيدة أم كلثوم.. تذكّرت حديثًا دار حول أم كلثوم فى العاصمة المجرية بودابست.. تطرق الحديث إلى الفن الشرقى.. وقالت صحفية مجرية زارت القاهرة قبل سنوات: إن أم كلثوم كانت تستحق جائزة نوبل فى الأدب.. ولو تمّ ترشيحها لفازتْ.

ولقد سمعت لاحقًا باحثًا فنيًا يقول: إن «أكاديمية الفنون» قد درستْ ترشيح السيدة أم كلثوم للجائزة أوائل السبعينيات، وأنَّ أساتذة فى معهد الموسيقى العربية قد أعدّوا حيثيات ترشيح أم كلثوم لجائزة نوبل.. غير أن عملية الترشيح لم تتم.. لعدم تمكُّن الفريق من تقديم رأى مقنع لحصول مطربة على جائزة نوبل فى الأدب.

( 5 )

لم تكن السيدة أم كلثوم شاعرة أو كاتبة.. كما أنها لم تؤلّف أيّاً من أغانيها.. وذلك على عكس ديلان الذى نشر كلمات أغانيه التى ألّفها فى عدة مجلدات. وعلى ذلك، فحالة أم كلثوم غير حالة «بوب ديلان».

لكن المثير للاحترام أن السيدة أم كلثوم قد حظيتْ بكل هذا الإعجاب.. الذى تمدّد جغرافيًا ليشمل العالم بأكمله.. كما أنه تمدّد لدى العامة وكبار النجوم.. حتى إنها اجتذبت إعجاب المطربة الأكثر مبيعًا فى العالم.. والموسيقى الحائز على جائزة نوبل فى الأدب.

ومن المثير للاحترام – أيضًا – أن أم كلثوم كانت على هذا النحو الأسطورى الذى لا مثيل له.. وأن المثقفين المصريين كانوا على هذا النحو من التقدير والطموح.. إذْ حاولوا ترشيح كوكب الشرق لجائزة نوبل فى الأدب.

كان ذلك مشهدًا عظيمًا فى قوتنا الناعمة.. الآن.. تكسّرت هذه القوة.. لكننا نملك القدرة على النهوض من جديد. يمكننا ترميم ما تساقط من المبنى والمعنى.. واستعادة المكانة اللائقة للفنون والآداب فى المشروع الحضارى المصرى.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى