مقالات

الدكتور رضا عبدالسلام | بكتب: أخطر قرار تم اتخاذه في مصر منذ ثلاثون عاما

 

 

 

 

 

عزيزي القارىء، ما أعرض له في هذه المقال (الذي اتمنى تتحملني وتقرأه بعناية) هو اجتهاد مني من منطلق تخصصي، ومن منطلق عشقي لهذا الوطن الذي يسكن قلبي.فقد أكون على صواب وقد أكون مخطيء في تقديري أو تحليلي…ولكنه يبقى محض اجتهاد أو رأي يقبل النقد او حتى الرفض.

في رأيي المتواضع أن قرار تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الدولية هو أخطر قرار تم اتخاذه في مصر بعد قرار ومشروع الخصخصة الفاشل في عهد مبارك….وسيقف التاريخ أمام هذه الخطوة طويلا…وهي خطوة كانت غير موفقة في توقيتها، وسأدلل على ذلك في هذا المقال.

وللتوضيح أؤكد أن فكرة تحرير سعر الصرف ومشروع رفع الدعم فكرة قديمة تعود لبدايات عهد مبارك، والأكثر من هذا…بل والمفاجأة المدوية ..أن هذا البرنامج الذي ينفذ الأن مع صندوق النقد الدولي -وبحذافيره – أعيد إحياؤه وتطويره في عهد محمد مرسي..

وحتى لا يخرج علينا أحد المتاجرين بآلام الناس وينفض يديه…راجعوا النت وستجدوا ان الخطوات – بالخطوة- معدة منذ ذلك التوقيت، ودخلوا في مفاوضات مع الصندوق…الخ…راجعوا شبكة الإنترنت.

سبق وأن كتبت عقب قرار تحرير سعر الصرف (والمقال موجود على الصفحة هنا) أنني كاقتصادي -ينتمي بل عاشق لتراب هذا البلد – لست ضد مبدأ التحرير او نظام الصرف الحر ولكني ضد التوقيت…كما أنني ضد اتخاذ قرار دون توفير مقومات نجاحه..فالقرار المناسب يجب ان يتم اتخاذه في الوقت والظرف المناسب…وإلا فلا.

هل تم اتخاذ لقرار في الوقت المناسب؟ هل كانت غرفة العمليات مجهزة لاجراء الجراحة للمريض؟ نعلم ان المريض في حاجة للعملية، نعلم هذا والله، ولكن هل اختارنا التوقيت المناسب لحالة المريض؟

وهل واكبت الإجراء آنذاك حزم حماية اجتماعية لإنقاذ المطحونين الذين دهسهم قطار الاسعار؟ هل واكبه إصلاح اقتصادي حقيقي على صعيد الاستثمار والوظائف وتشغيل آلاف المصانع المتوقفة لنضمن نجاحه بتحرك عجلة الإنتاج…الخ؟

ان ما تم في مصر على مدار العامين الماضيين ليس الا مجرد تحرير مالي ونقدي….تنفيذا لشروط مؤسسة ليست من أهل مكة…ومن الخطأ الحديث عن أن اصلاحا اقتصاديا يجري أو يتم…فلم تتخذ الى الأن أية خطوة حقيقية على صعيد الإصلاح الاقتصادي..حتى قانون الاستثمار مايزال حائرا وكأننا نخترع العجلة!

تحرير مالي أي تخفيف العبء على مالية الدولة -أي الموازنة – من خلال خفض الدعم، وهذا ما يتم بقوة في الوقود والكهرباء والمياه…الخ.

أما التحرير نقدي فيقصد به تحرير وحدة النقد المصرية امام العملات الدولية، بحيث لا يتحدد سعر صرف الجنيه بناءا على قرار البنك المركزي، ولكنه يتحدد وفقا لقوى السوق اي العرض والطلب.

الوضع قبل تحرير سعر صرف الجنيه كان الفارق بين السعر الرسمي أي الذي يحدده البنك المركزي.. وهو ٨.٨٨ وسعر السوق السوداء 10 او 10.5جنيه…اي حوالي 2 الى 3 جنيه فارق بين سعر البنك وسعر شركات الصرافة..

خاطر البنك المركزي مخاطرة كبرى، واتخذ اجراءات التحرير في ظرف او توقيت خاطيء تماما…أكرر اتخذ البنك المركزي قراره في توقيت خاطيء تماما..ليته فعها قبلها بعام او بعشر سنوات … أو بعد مرور سحابة توقف السياحة وتراجع التحويلات والاستثمار.

اتخذ البنك المركزي اجراءات التحرير خلال فترة شح العملة الاجنبية نتيجة ضرب السياحة والتحويلات الخارجية والاستثمارات بفعل مخطط أعداء الوطن كما اوضحنا في مقالات عديدة…

ولكننا في مصر، كثيرا ما نتعرضنا لمثل هذه الأزمات الوقتية …وسرعان ما تزول…لما لم ننتظر حتى تعود السياحة والتحويلات كما هو الحال الأن؟ هل في هذا منطق اقتصادي؟ أتمنى أن يصححني أحد ربما أكون مخطيء؟

ولهذا عندما حرر البنك المركزي سعر الصرف بين الجنيه والدولار، استجابة لضغوط صندوق الخراب، وفي ظل شح الدولار في السوق للاسباب المشار اليها صعد الدولار أمام الجنيه الى اكثر من 18 جنيه في ظل عدم وجود اي تحرك على مستوى الاصلاح الاقتصادي او حوافز الاستثمار….الخ. فاغتنى من اغتنى وضاع من ضاع، وكان اقتصاد الوطن والمواطن هو أول الخاسرين..

لنا ان نتخيل ان البنك المركزي انتظر الى ان عادت السياحة وعادت التحويلات كما هو الحال الأن، وقام بالتحرير!! مؤكد ان الدولار لم يكن ليشهد ما شهده من صعود كارثي دمر الاخضر واليابس على أرض هذا الوطن.

للتبسيط على القاريء غير المتخصص، إن ما فعله البنك المركزي أشبه بمن قرر ان يخرج بطفله الوليد ليدربه على المشي والشارع في يوم عاصف، تاركا ايام العام الهادئة والجميلة…فاصيب الطفل بازمة وصدمة وركبته الامراض…إن ما قام به البنك المركزي أشبه بطبيب بدلا من أن يقرر اجراء العملية للمريض في توقيت حالة المريض فيه مستقرة قرر إجراء الجراحة والمريض يعاني من ارتفاع الضغط وقلبه يوشك على التوقف!

كان بامكاننا ان نتحمل ونقترض الى ان تعود السياحة والتحويلات والاستثمارات عندها نجري العملية للمريض!!! فرغم تحرير الجنيه…هل توقفنا عن الاقتراض؟ الدين الخارجي صعد الى مستوى تاريخي بأكثر من 72 مليار دولار…بل ان الدين العام ككل لامس 4 تريليون جنيه ستثقل كاهل الاجيال القادمة..في حين ان ناتجنا المحلي يدور حول 3 تريليون جنيه…

ترتب على تلك السياسات المالية النقدية التحررية هدم كل ما هو اقتصادي على أرض مصر…لم يعد بمقدور أحد، وخاصة المستثمرين، توقع او التخطيط للغد..ليت احدا يستطيع الرد…

ليس هذا فقط…بل ان ما وفرته الحكومه بيدها اليمنى من خفض الدعم اضطرت لدفع المليارات تعويضات لمن ينفذون مناقصات مع الدولة وتوقفوا بسبب الخسائر الناجمة عن التحرير…او لتغطية الالتزامات بتكلفة مضاعفة.

أغلق الكثير من المستثمرين مشروعاتهم، بعد ان تضاعفت تكلفة مدخلات الانتاج بسبب الدولار ابو 18 جنيه او اكثر…وأغلب مدخلات الانتاج مستوردة بالدولار الذي كان يشتريه منذ ايام 10 او 11 جنيه على أقصى تقدير….الخ.

اما المواطن الذي أهلكته هذه الخطوة، فالواقع هو خير متحدث…ولا يشعر بالنار الا القابض عليها…الكثيرون يئنون الأن من وطأة الاعباء المعيشية بعد أن فقدوا الامن المادي الذي لا يقل أهمية عن الامن البدني.

حتما عندما تستقر الاوضاع الاقتصادية والسياسية ستعود السياحة والتحويلات والاستثمارات سيعاود الدولار النزول ولكن المؤكد أنه لن يهبط الى أسعار السوق السوداء التي كانت سائدة قبل التحرير…وأي اقتصادي يعرف هذا بسبب خلل الهيكل الاقتصادي.

خلاصة القول…سيقف التاريخ طويلا أمام هذه السياسات التي طحنت الوطن والمواطن وحتى المستثمر…والله أعلى وأعلم.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى