أعمدةمقالات

الدكتور رضا عبدالسلام | يكتب: هل الاسلام هو سبب تخلفنا

رضا عبدالسلام

 

أحبتي..سبق وان وعدت حضراتكم بكتابة مقال نجيب من خلاله على سؤالنا الحاسم: هل قيم وعادات ومباديء الاسلام هي سبب وضعنا كأمة اسلامية في ذيل الامم؟ فقد اصبحنا أمة تعيش عالة على ثمار جهود الآخرين، أمة نموذج للديكتاتورية والجهل والمرض والبطالة ومصدرة للارهاب؟ هل السبب يكمن في كوننا مسلمين كما يحاول البعض تصويرنا أو كما يعتقد المواطن العادي في الغرب؟

سأجتهد في السطور التالية للاجابة على تلك التسأؤلات بتجرد وبمسئولية تامة أمام الله وأمام أمتي ووطني…لم ولن يحركني اي انتماء….لأنني ببساطة.. لم يسبق وأن سلمت عقلي لأحد…دائما باعثي سوى انتمائي لهذه الأمة، التي احلم كما يحلم الملايين لها بمكانة أرقى بين الأمم.

اذا…ما السبب…هل الاسلام؟

الإجابة بالقطع…لا…فالاسلام بتعاليمه الواردة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بريئة من هذا الاتهام براءة الذئب من دم ابن يعقوب…وسنقدم الأدلة الدامغة بعون الله.

السؤال الاخر والأهم ما دليلنا على براءة الاسلام من تهمة تخلفنا؟ والاجابة هي: الأدلة كثيرة جدا وعلى رأسها انه خلال العصور المظلمة في اوروبا خلال الفترة من القرن العاشر وحتى القرن الخامس عشر الميلادي كانت أوروبا تعيش الظلام والاقتتال والفتن والتخلف بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وفي المقابل، كانت أمة الاسلام تتلألا فيها مصابيح العلم والنور والاختراع والابتكار، حيث بزغ العلماء المسلمين ووضعوا اسس علوم الطب والصيدلة والاجتماع والرياضة….الخ…لقد بلغ الامر باباطرة اوروبا التوسل للخلفاء المسلمين لارسال مبعوثيهم من طلاب العلم ليتتلمزوا على أيدي علماء المسلمين في الشرق.

وعندما سقطت دولة الخلافة الاسلامية بعد ان دب فيها الوهن، تقاطر الغربيون على الدول الاسلامية وجمعوا امهات الكتب في كافة ميادين العلم ونقلوها الى مكتباتهم وجامعاتهم…ولهذا لا تعجب عندما تعرف ان طه حسين حصل على الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة السربون او استاذ للتاريخ الاسلامي حصل على الدكتوراه من جامعة برلين.!!!..لأن امهات الكتب العربية نقلت هناك.

على اكتاف كتابات ومؤلفات علماء المسلمين نهضت ونشأت الحضارة الغربية وتوهجت وسادت، وفي المقابل تخلف العرب والمسلمون وصاروا ووصلوا الى حالتهم التي لا تخفى على أي عاقل او منصف..

يبقى السؤال: لماذا لم نواصل، لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا، ألا نزال مسلمين؟

الحقيقة المرة، وحسب اجتهادي المتواضع، هو ان الغرب ادرك مبكرا خطورة الاسلام الذي نقل العرب من رعاة غنم الى قادة امم، وسادة للعالم بامبراطورية امتدت من جنوب الصين الى جنوب اوروبا. ادرك الغرب جيدا ومن خلفهم اليهود خطورة هذا الدين.

وعليه، فقد خطط الغرب وبرعاية صهيونية منذ سقوط الخلافة الاسلامية بألا تقوم للأمة الإسلامية قائمة وان يبقى هذا المارد حبيس هذه المنطقة…ولكن كيف؟

هم يعرفون جيدا مقولة فرق تسد. نعم … عمق الغرب خلال عقود الاستعمار للمنطقة العربية والاسلامية النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية، ولهذا:

1. تم زرع بذور الصراع السني الشيعي وتقويته وتغذيته حتى ننشغل بالاقتتال والصراع ومن ثم التخلف والخراب.

2. سعى الغرب ونفذ بالفعل مخططات تقسيم المنطقة الى دويلات صغيرة وبالتالي عشرات الزعامات القبلية بدلا من صوت واحد وراية واحدة ومن ثم كلمة واحدة.

3. زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي والاسلامي وبالتالي تأمين وجود وبقاء هذا الجسم الغريب من خلال تقويته واضعاف جيرانه العرب المسلمين. وفي نفس الفترة بالضبط تم زرع جماعة الاخوان لتكون شوكة في الجسد الاسلامي وتحديدا في بلد الازهر الشريف…ولهذا ليس غريبا ان يتعامل الاخوان مع بعضهم من زواج وتجارة واستقطاعات شهرية تعامل اليهود…ماحاجة بلد الازهر العامر آنذاك الى تلك الجماعة التي فرخت جماعات الجهاد والتكفير؟؟؟

4. ضمان ودعم وجود أنظمة حكم ضعيفة واهنة منقطعة الصلة بشعوبها، بحيث تنشغل تلك الانظمة بكراسيها وبقائها لعقود ومثال ذلك القذافي ومبارك والاسد وصدام وبشير السودان….الخ.

كان من المهم ان تظهر تلك الانظمة التي تتمسح بالاسلام ( نتذكر جميعا الرؤساء الذين يقبلون المصاحف في الاحتفالات بمناسبة وبدون مناسبة) ليتم تصدير هذا النموذج للغرب على أن هؤلاء الحكام المخلدين الأبديين يحكمون قلب العالم الاسلامي.

وبالتالي وصلت الرسالة واضحة للمواطن الغربي، بأنه لو كان في الاسلام خير لانصلح به حال شعوبه ولتولى أمورهم خيارهم…

بمرور الوقت بات قلب العالم الاسلامي أكثر انكشافا، الدنيا تتغير وتيار الديمقراطية جرف كافة المناطق بما فيها أفريقيا باستثناء المنطقة العربية الاسلامية…

لذا، رأى الغرب ان دور تلك الاوراق والانظمة البالية والمحروقة قد انتهى ولابد من تغيير المشهد…لذا، تم الاعداد لما أطلق عليه الربيع العربي…مبارك والقذافي وزين العابدين….الخ انتهى زمانهم ومرحلتهم،

المرحلة الجديدة هي مرحلة التناحر والتفتيت والتقسيم، وبالتالي دعم الغرب عملية التفتيت تلك، لتتواصل رحلة الاستنزاف والهدم لمنطقتنا العربية والاسلامية.

نفهم من هذا أن قلب العالم الاسلامي وتحديدا الدول العربية تحولت من فاعل الى مفعول به خلال العقود الغابرة الماضية!!

ماذا استفاد الغرب من ذلك؟ الحقيقة انه استفاد على ثلاث محاور:

الاستفادة الاولى: تصدير صورة مذرية للإسلام في أعين الغربيين لان قلب العالم الاسلامي نموذجا للديكتاتورية والفساد..

الفائدة الثانية وهي المتمثلة في وأد مشروع المد الاسلامي. فكيف يتحول الناس الى دين يكرس الديكتاتورية والقتل والخراب والدمار والاقتتال ومن ثم التخلف….الخ؟

الميزة الثالثة: وهي المتمثلة في استنزاف موارد تلك المنطقة المنكوبة…فعلى مدار عقود، ظلت منطقتنا المنقذ للاقتصاد الغربي من ازماته…فلو لم تكن لتلك المنطقة أهمية اقتصادية واستراتيجية لما نظر الغرب الينا من الاساس!!!

في ظل هذا المشهد الغائم والكارثي تحولت منطقتنا العربية الى منطقة حرب : السني يقاتل الشيعي والمسلم يقتل المسيحي والعكس والجماعات تدغدغ الدول من الداخل، فتحولت أغلب الدول الى أشباه دول، وتمزقت دول اخرى الى دويلات…لمصلحة من كل هذا؟ ألم تقنعك بعد الصورة العربية؟ إنها صورة مخجلة لكل من يتحرك في داخله دم عربي.

النتيجة هي ان اصبحت منطقتنا العربية أكبر مستورد للسلاح في العالم…نعم هي كذلك..الدول العربية تستورد سلاحا بعشرات المليارات من الدولارات سنويا ليقتل بعضنا بعضا في العراق واليمن وسوريا وليبيا…

اذا، نحن نصدر النفط وغيره من الموارد الطبيعية لنحصل على الدولار…في اليوم التالي نرسل الدولار للغرب للحصول على السلاح…اذا، حصل الغرب على مواردنا وعلى الدولار!! وتركنا أمة واهنة مفككة ومحطمة..

في بيئة كهذه…ماذا تنتظر؟ في مجتمعات الديكتاتورية والحاكم الذي لا ينطق عن الهوى، المشغول بكرسيه المالك للبلاد بمن وما عليها…ماذا تنتظر…لقد ولد الارهاب والتطرف من رحم هذه البيئة حيث الفقر والظلم والمرض…ليس هناك من احد يولد للجريمة…علينا ان نفتش جيدا عن أسباب أزماتنا اذا اردنا حقا وضع العلاجات الناجعة لها.

خلاصة القول…لو ترك الامر لهذا الدين السمح الذي اتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم فسيرى العالم السعادة والنقاء والسكينة، ولكن الاسلام بريء من كل متمسح به…فالجميع تاجر بالاسلام خلال العقود الغابرة…ألم يكن القذافي يطلق على نفسه وصف امير المؤمنين؟

انظر معي الى امتنا العربية والاسلامية ماذا ينقصنا لنكون متقدمين؟ موارد طبيعية؟ ام موارد بشرية؟ لدينا ما هو ليس لدى غيرنا لذا نحن مطمع؟ عندما سنحت الفرصة للدكتور محاتير محمد حول ماليزيا، الدولة الاسلامية، من دولة متخلفة الى نموذج مبهر، لأنه انشغل بأمته ولم يسمع كثيرا للغرب لأنه وعى الدرس جيدا…بعبارة اخرى اجاد اللعب معهم.

اتمنى أن نفيق كأمة عربية واسلامية (حكاما ومحكومين ورجال دين) من هذا الكابوس ونلملم جراحنا ونوحد صفوفنا وكلمتنا وان نعلي من مصلحتنا العربية وان ننحي المصالح القبلية والعرقية والمذهبية جانبا…

لا ينبغي ان نختلف او ننقسم..فهذا هو مبتغى الغرب وطموحه ان نبقى هكذا كغثاء السيل…وفي النهاية مصانع السلاح تعمل هناك وفرص العمل توجد، ليقتل كل منا الاخر باسم الاسلام والاسلام من الجميع براء…

أتمنى أن نقدم نموذجا يذكرنا بخليفة رسول الله ابي بكر الذي وقف خاطبا في الامة ” وليت عليكم ولست بخيركم ان احسنت فاعينوني وان قصرت فقوموني” او عمر بن الخطاب الذي عندما رأه سفير الروم مستلقيا تحت شجرة وثيابه مرقعه قال قولته حكمت فعدلت فامنت فنمت يا عمر.

ما عرضت له اجتهاد مني…قد اكون على خطأ، ولكن هكذا ارى الصورة واتمنى أن يمد الله في عمرى لأرى امتنا في مكانة تليق بتاريخها وقيمها العظيمة…دمتم بكل خير.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى