أعمدةمقالات

الدكتور رضا عبدالسلام | يكتب: وماذا عن أموال الأوقاف المهدرة والمنهوبة «أكثر من تريليون جنيه»

 

ندخل في الموضوع على طول، بمثال عشته بنفسي، وبالتالي نستشف منه الكثير والكثير بشأن واقع إدارة أصول هيئة الاوقاف المصرية أراضي بآلاف الأفدنة وعمارات وشركات ومصانع في مختلف محافظات مصر بل وفي خارج مصر…الخ.

هل يمكن الاعتماد على ثروة وخيرات الاوقاف المصرية لا على الجيوب والبطون الخاوية للتخفيف عن الموازنة العاجزة ؟!…بالتأكيد نعم.

ندخل في الموضوع…من بين الملفات الشائكة التي لم أتركها تمر مرور الكرام خلال فترة خدمتي في الشرقية، ملف عمارات الأوقاف بالأحرار بمدينة الزقازيق، وهي عمارات تضم أكثر من ألف شقة حوالي 1200 شقة على ما أتذكر ما بين شقق إسكان اجتماعي واستثماري…قامت هيئة الأوقاف ببنائها على أرضها نظريا لخدمة أهل وبسطاء الشرقية. لم تبدأ البناء الا بعد بروتوكل وقعته هذه الهيئة مع محافظة الشرقية.

بيت القصيد هنا أو لنقل الكارثة، أن البروتكول نص على أن تتولى المحافظة توزيع تلك الوحدات وفقا للقانون، في مقابل التزام المحافظة بإمداد تلك الوحدات السكنية بالمرافق من مياه وكهرباء وتراخيص دون أية رسوم… الخ، على اعتبار أن المحافظ هو ابن مكة وهو ادرى باحتياجاتها ومحتاجيها.

فوجئت بأن السيد وزير الأوقاف يود زيارة هذه الوحدات، فطلبت ملفها واكتشفت كارثة، وهو أن هيئة أوقاف الشرقية بالتنسيق مع الهيئة في القاهرة وضعت إعلان داخلي لمن يريد الحصول على الوحدات بأسبقية الحجز…وبالفعل خلال 24 ساعة تم توزيع الوحدات بالكامل.

اكتشفت ان هناك دكاترة ومستشارين ….الخ حصلوا على وحدتين وثلاثة واربعة لأسرهم…كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى!!

عندما وصل السيد وزير الاوقاف إلى مكتبي بالمحافظة، وهو شاهد على كل كلمة هنا، قلت له بالتفصيل ما حدث، وأنني بما لي من سلطة واحتراما للقانون ولما أؤتمنت عليه، لن اوافق على توصيل المرافق لهذه الوحدات لأن هيئة الأوقاف اخلت بالتزامها ووزعتها دون علم المحافظة، في حين أن عندي بالمحافظة – مثلاً- اكثر من 2600 حاجز لإسكان 2008، هم أولى بهذه الوحدات ممن اقتنصوها…فكيف أوصلها بالمرافق؟

وبالفعل احترم الوزير كلامي، ولهذا ذهبنا أنا وهو وتفقدنا الوحدات بالأحرار ولم نفتتحها… اتصل الوزير من مكتبي برئيس هيئة الاوقاف وطلب ملف كامل…وإلى الآن أعتقد أن الموضوع معلق أو مغلق…

في اعتقادي أن موضوع كهذا مكانه النيابة العامة مباشرة….هل سمع الأخوة الشراقوة بهذا الملف الذي لم أتركه يمر وكان من سلطتي تمريره دون وجع دماغ؟

ليس هذا فقط، طلبت من السيد الوزير أن يتم إلغاء كل ما قامت به أوقاف الشرقية، وأن أتولى أنا كمحافظ الإعلان ويتقدم من يتقدم ثم نجري قرعة علنية بشروط يعرفها الجميع تماماً مثل قرعة الحج…وبالتالي الشفافية التي ينشدها كل شريف في هذا البلد.

على مستوى الجمهورية هناك آلاف الأفدنة والمواقع وبعضها في أماكن استراتيجية…السؤال هنا؟ ألم يتم وقف هذه العقارات والمشروعات ممن أوقفوها لخدمة الناس ولقضاء حوائجهم؟ وهل هناك أهم للمواطن من محطة مياه شرب أو مستشفى أو مدرسة أو إسعاف….الخ؟

لما لا يتم التنسيق ما بين هيئة الأوقاف في كل محافظة والمحافظة والوزارة المعنية، سواء لاستغلال الأرض في بناء مدرسة او مستشفى او محطة صرف أو مياه….الخ. وبالتالي نحل سريعاً مشكلات الصرف الصحي والمياه…الخ

وفي نفس الوقت لن تضطر الدولة للاقتراض لشراء أرض للمشروع، فأرض الاوقاف موجودة؟ لن يحدث أمر كهذا إلا في ظل لا مركزية حقيقية وكفاءات حقيقية أي أهل كفاءة لا أهل ثقة..

الأرض موجودة…ولكن المؤسسات عندنا في مصر تتصرف مع بعضها البعض كعزب مغلقة أو جزر منعزلة…كل جهة تعتقد أنها عزبة وليس من حق أحد التدخل في شانها…ولكن تخيل معي لو أن هناك لامركزية حقيقية وسلطات حقيقية للمحافظين والمسؤلين مع رقابة صارمة من الأجهزة الرقابية؟…

يجتمع المحافظ المعني مع رئيس هيئة الأوقاف في محافظته ووكلاء الوزارة المعنيين…ثم يتم التنسيق لتخصيص -مثلاً- قطعة أرض أوقاف بمساحة نصف فدان في مركز سمنود لإقامة محطة صرف..

على الفور تقوم الهيئة القومية لمياه الشرب بالانشاءات على أرض وفرتها الأوقاف…وتقام محطة مياه أو صرف….الخ. أو أن يتم تخطيطها وتخصيصها وفقا لاحتياجات والمزايا النسبية (بلغة الاقتصاد) لكل محافظة.

إذاً الموارد موجودة ولكنها مدارة بشكل سيء وكارثي، سواء لغياب الكفاءات (وكثيراً عن قصد) أو لغياب التنسيق أو للفساد…فموظف الأوقاف قد يرى أن من مصلحته ومصلحة جيبه أن تبقى المزرعة أو الأرض أو المشروع بعيد عن أعين الآخرين….بعبارة أخرى…مال سايب…وكلنا فاكرين الجزر اللي اكتشفناها تابعة للأوقاف المصرية في اليونان…فاكرين؟!

هذا ملف مهمل لسنوات طويلة (شأنه شأن باقي التركة الثقيلة) رغم أهميته وخطورته، وبعيد عن الاهتمام للاعتبارات وللمثال الذي ذكرته في صدر كلامي…وربما تسبب هذا الاهمال في تراجع وربما اندثار اعداد من يرغبون في الوقف الخيري..

ليتنا نفتش عن مكنونات هذا الوطن وخيرات بلد وصفها الله في قرآنه بخزائن الأرض، ونوظفها التوظيف الأمثل…لينعم المصريين بخير مصر..ولنحارب بحق الفساد والمفسدين… حفظ الله مصر وكافة أطيافها من كل مكروه وسوء…دمتم بألف خير.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى