أعمدة

الدكتور ظريف حسين | يكتب: من جنة العبيط إلي جنة الوصولي

16730392 1338801412838915 1796983907401343320 n

 

في الوقت الذي يجب فيه علي الإنسان المصري-و العربي عموما -أن يتواري خجلا كلما قارن نفسه بما وصل إليه زميله الغربي من تحضر في جميع أوجه الحياة و بالجنة الأرضية التي شيدها لنفسه لتنافس الفردوس في نظر المؤمنين بها، فما زال البعض يحلو له تسفيه الحضارة الغربية متهما إياها بالتراجع الروحي و الأخلاقي في مقابل حضارتنا المزعومة برغم أننا ما زلنا نقف علي أعتاب جنتهم الأرضية لا نملك حق الدخول مكتفين بمجرد الانبهار معتقدين بأننا فعلنا كل ما في وسعنا لمجرد اعترافنا بالعبط أو ما نسميه تجملا بالتخلف الحضاري .
و تتأسس استراتيجية الاستعباط هذه علي واحد من أمرين:

الأول: ادعاء العبط ، و بالتالي التخلي عن المسئولية، و المطالبة مع ذلك بحقوق نسميها بالحقوق الطبيعية و الإنسانية.
و الأمر الأخير: هو النظر إلي الآخرين علي أنهم قوم عبط ، مستخدمين في ذلك كل فنون الخداع الذاتي من جهة، واستغلال نقاط ضعف شركائهم المفعول بهم بهدف استعباط الفريق الثالث و هو مجموعة الأسوياء الجادين في السعي إلي الخلاص من وصمة العبط هذه ، و إن اتخذت اسما أقل وصمة في نظرهم – و هو التخلف – الذي يمكن التغلب عليه في المستقبل .
و يضم هذا المجتمع الاستعباطي نماذج متعددة أبرزها النموذج الوصولي الذي يستعبط غيره مناضلا للتسلل إلي تلك الجنة و لو علي أشلاء الآخرين ممثلا النموذج الشائع في مجتمعاتنا المعاصرة التي يمكن تسميتها بمستعمرات الوصوليين.
و الآن: ما سمات الشخص الوصولي؟

إنه ذلك الذي ينكر كل مبدأ أو معيار، فهو نفعي لا يقيم وزنا لأية مشاعر أو قيم، و مستعد في كل لحظة للتضحية بكل غال من أجل تحقيق هدفه ، و يتحلي بانتهازية لا حد لها، و بوضاعة تجعله يلعق أحذية رؤسائه مدمرا اعتبارات زملائه للإيقاع بهم، مستغلا نعومته و سحره و قدرته علي السيطرة عليهم لينعم بجنة السلطة متغذيا علي جثث الآخرين،مترصدا كل من يتوقع في المستقبل أنه قد يشكل أدني تهديد له ، مذكرا بالملك اليهودي الذي قتل جميع الأطفال الذكور بناء علي حلم لأحد الكهنة يحذره من ضياع ملكه علي يد أحدهم.
و السؤال الأهم هو: ما الذي يجعل الشخص وصوليا؟

من حرمانه من الحماية صغيرا، و من الشعور بالدونية و قلة الحيلة و خشونة العيش، و الاضطهاد و الإحساس بالمذلة و المهانة. فكل ذلك يصيبه في مرحلةالشباب بإحساس كاذب بتضخم الذات أو بالنرجسية ردا علي الإنطوائية أثناء الطفولة.

و النتيجة: هي أنه الآن يلهث للتعويض لإثبات العكس و لتجميل صورته القديمة بالمبالغة في اكتساب أكبر قدر من الحماية و التشبث بأهداب السلطة مهما تكلف من أعباء كالهدايا و الرشاوي و النفاق و التزلف و كل الأساليب القذرة للتسلق علي الأكتاف.
و الآن هل رأينا الفارق بينهما؟

قد يقر العبيط بعبطه لأنه لا يملك مفتاح جنته ، و مع ذلك يظل يحلم بها، في الوقت الذي يسكنها الوصولي بطريقته. و كلاهما يشتركان في اللاعقل ، أي في الاستعباط: فالأول يستعبط نفسه و الثاني يستعبط غيره !

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى