رمضانيات

«تحت السيطرة» الدراما الأقرب إلى الواقعية في رمضان

لقطة من مسلسل تحت السيطرة
لقطة من مسلسل تحت السيطرة

فقط بسماع موسيقى تتره، التي أبدع فيها «تامر كروان»، تدرك أنك مقبل على وجبة درامية دسمة. الإيقاع الهادئ المتسارع كضربات القلب الخائف، صوت كصوت الرعد يتداخل مع صوت العاصفة التي تواجهها بطلة المسلسل بداخلها ثم تساقط الماء، كلها تدخلك في حالة من التركيز مع هذا المسلسل الذي أثار جدًلا كبيرًا منذ بداية عرضه. «تحت السيطرة» مسلسل يقدم عمل درامي أكثر قربًا للواقعية ربما من أي عمل آخر في رمضان 2015 .

1

المسلسل الذي تقوم ببطولته الفنانة «نيللي كريم» ، التي تطور أدائها في السنوات الأخيرة لتصبح إحدى أهم نجمات الدراما في مصر والعالم العربي، يسير في محورين رئيسيين، هما مرحلة الإدمان والتعافي منه، وعلاقة البطلة «مريم» «نيللي كريم» وزوجها «حاتم» «ظافر عابدين».

المرحلة الأولى تتمثل في عدة شخصيات في مراحل مختلفة من التعاطي أو التعافي، فأولًا البطلة «مريم»، التي توقفت عن التعاطي منذ عشر سنوات، بعد وفاة حبيبها بجرعة زائدة، إلا أنها تعود إلى المخدرات مع تخلي زوجها عنها بعد معرفته بحقيقة إدمانها وعلاقاتها السابقة، والتي كانت تخفيها عنه، ثم تعود مجددًا لمحاولات التعافي والتوقف عن التعاطي بعد معرفتها بحملها. هذا الصراع الداخلي نجحت «كريم»، حتى الحلقة الـ15، في إظهاره للمشاهد بشكل واقعي جدًا بحركاتها، رجفتها، نظرات عينيها وتعابير وجهها التي تتحول تمامًا مع توقفها وعودتها إلى الإدمان.

2

هناك أيضًا شخصية «شريف»، صديقها المقرب، الذي توقف عن التعاطي بدوره قبل سنوات، وهو الذي يساعد آخرين على التوقف عن الإدمان بدورهم، ويساعد صديقته بعد انتكاستها، بالإضافة إلى مساعدته لصديقه «طارق»، وهو ثالث الشخصيات التي يظهر صراعها مع المخدرات، بين التعافي ومساعدة الغير على التعافي ثم الانتكاس والعودة للمخدرات ثم محاولاته للتعافي مجددًا إنقاذًا لبيته وحفاظًا على زوجته، والتي هي نفسها شقيقة صديقه «شريف».

أما الشخصية الثالثة التي يعكس علاقتها بالمخدرات هي شخصية «هانيا»، وهي المراهقة صاحبة الـ16 عامًا التي مازالت في بداية الطريق وتنبهر به وتسعى لتجربة أنواع مختلفة من المخدرات.

صراع المخدارات يظهر في قمة الواقعية في هذا المسلسل من حيث عرض الفكرة، فأولًا هو يرسي مبدأ «المدمن مريض مرض مزمن»، وهي المرة الأولى الذي يطرح فيها هذا الوصف على المدمنين، أما الفكرة الثانية فهي عبارة عن سؤال: «هو فيه حاجة اسمها تبطيل؟»، وهو سؤال طرحته الفنانة «رانيا شاهين»، والتي تمثل دور مدمنة لا تزال في مرحلة التعاطي.

3

وعادة ما كانت تنتهي قصة المتعاطي في الدراما والسينما المصرية بمرحلة واحدة، فإما متعاطي حتى الموت وإما يتوقف عن التعاطي وتنتهي القصة، لكن «تحت السيطرة» يقول لنا إن الحقيقة ليست بهذه البساطة، وليست 1+1=2، فالتوقف عن التعاطي يصحبه عدة مراحل معقدة، بدءً بالتوقف عن التعاطي ليست مجرد حبس المريض، أو تعاطيه لأدوية، بل هو مراحل عديدة تبدأ بتنقية الجسم من المخدر ثم التهيئة النفسية وتعليمه كيف يسير «عكس دماغه»، ثم المتابعة بشكل دوري، والتي تستمر لسنوات وليست مجرد عدة شهور ثم تنتهي.

واتجه المسلسل لإعطاء قصته طابع واقعي بشكل أكثر أيضًا من خلال إشارته إلى «زمالة المدمنين المجهولين»، وهو برنامج علاجي حقيقي وليس من خيال الكاتبة «مريم نعوم»، يساعد في العلاج من التعاطي في مصر منذ سنوات، كما أنه منتشر في جميع أنحاء العالم. ويعرض المسلسل مشاهد من اجتماعات أعضاء تلك الزمالة، والتي عادة تبدأ بأن يعرف الشخص نفسه ثم يصف نفسه بـ«مدمن»، قبل أن يتحدث عن مشاعر له أو قصة يحب أن يشاركها مع زملاءه. تلك المشاهد ربما شاهدتها في الأفلام الأمريكية، إلا أنها جديدة على الدراما المصرية، وتعكس جانبًا جديدًا من حياة المدمنين قد لا تعلم عنه شيئًا.

4

كذلك عرض المسلسل من خلال اجتماعات المدمنين بشكل علمي أضرار كل مخدر، في مشهد للفنان «هاني عادل»، الذي يلعب دور «شريف»، كما يعرف المشاهد بمصطلحات كالـ«Detoxation»، أي تنقية الجسم من المخدر، والـ«Halfway houses»، وهي المنازل التي يذهب إليها المدمن في المرحلة الانتقالية بين الـ«Detoxation» والتعافي، والانتكاس، وهي العودة لـ«التعاطي».

المسلسل أيضًا يعكس بشكل واقعي موسع ليس فيه تجني على المدمن أو اتهام له كيف «تلاعبه دماغه»، والأفكار التي تنتابه، رغبته في التوقف ومغرياته للإكمال في هذا الطريق، والطريقة المثلى لتعامل المحيطين معه في مرحلة التعافي كي لا يعود للانتكاس.

5

«تحت السيطرة» يلعب على وتر الواقعية أيضًا في عرض مشاهد الإدمان، بداية من تحضير المخدر بمختلف أنواعه، وكيفية تعاطيه، وتأثيره، وطريقة الحصول عليه من البداية، تلك الواقعية التي جعلت المحامي «سمير صبري»، يقدم بلاغًا للنائب العام ضد صناع المسلسل، لأن «المسلسل يشرح كيفية التعاطي للشباب»، وهل يمكن عرض الدواء دون عرض الداء نفسه؟.

أسباب الإدمان نفسها لم تغيب عن صناع المسلسل، فعرضوا بعضها كالتفكك الأسري، كما في حالة «هانيا» «جميلة عوض»، أو تعاطي أحد أفراد العائلة، كما وقعت شخصية «علي» «محمد فراج» في الإدمان بسبب الحشيش الذي كان خاله يضعه في خزنته، وهي تفاصيل تناولتها الدراما والسينما المصرية من قبل، لكن ربما ليس بمثل هذه الاستفاضة، رغم أن «تحت السيطرة» أغفل جانب مهم أيضًا من أسباب الإدمان وهو البعد الاقتصادي، حيث أن معظم المدمنين في المسلسل هم من طبقات اجتماعية عليا.

6

وبعيدًا عن واقعية عرض حياة الإدمان ومراحلها، هناك قصة رومانسية تتخلل كل هذا الاستعراض العلمي الواقعي، رومانسية ربما تحمل نكهة أجنبية بعض الشيء في تفاصيلها، فـ «حاتم» يفاجأ بأسرار زوجته تنكشف أمامه الواحد تلو الآخر، يسامحها مرة أولى بعد علمه بعلاقتها بشاب «توفى في حادث»، كما قالت له، والثانية حين علم بإدمانها، إلا أنه يجد نفسه غير قادر على مسامحتها في الثالثة حين يعلم أنها كانت على علاقة بـ«طارق»، وتلميح زوجة الأخير بخيانة زوجها مع «مريم». وحين يسامحها بعد فترة من الهجر، مع علمه بحملها، يكتشف أنها عادت في غيابه للإدمان، فيرسل لها ورقة طلاقها.

هذه العلاقة التي بدأت في المسلسل برغبة «حاتم» في الإنجاب ومعارضة «مريم» لرغبته دون إبداء أسباب، تخللها استعانة «حاتم» بخبير نفسي لحل مشكلاتهم الزوجية، واستعانوا هنا بالدكتور «نبيل القط»، الطبيب النفسي الحقيقي وليس بممثل للدور، ما أضفى واقعية إضافية للفكرة وطريقة العلاج والتعامل مع المشكلات الزوجية.

7

تعامل «حاتم »مع مشكلات زوجته «مريم» كان ربما مثاليًا في الحلقات الأولى من المسلسل، ما جعل المشاهدين يتسائلون: «هو فيه كدة؟»، إلا أن تعامله معها في وقت لاحق كان بشكل أكثر واقعية يليق بالعقلية المصرية أكثر، فلم يتقبل فكرة إخفائها أسرار عنه، أو عودتها للإدمان حتى رغم تعافيها، وربما الحديث الذي دار بينه وبين سائق تاكسي أرادت به الكاتبة أن توضح تلك الفكرة، والفارق بين العقلية الأجنبية والعقلية المصرية في التعامل مع مثل هذه المواقف، فيتناقش «حاتم» مع السائق حول فكرة المسامحة بعد ما حدث، دون أن يوضح أنها قصته بل قال إنها قصة فيلم أجنبي، ليكن رد السائق أن «المسامح هو الله»، وأن مسامحة الرجل لزوجته بهذا الشكل قد تصلح في الغرب أما في مصر فلا يصح.

8

مسلسل «تحت السيطرة» يقدم دراما حياتية حقيقة واقعية مختلفة عما اعتاده المشاهد المصري بشكل كبير، برع في تجسيدها الممثلين حتى اللحظة، ونجح المخرج «تامر محسن» ببراعة في إضفاء أجواء من الإثارة خاصة بـ«قفلات» الحلقات، فتارة تنتهي الحلقة و«حاتم» يكتشف حديث «مريم »عن رجل لم تستطع ألا تزوره بمجرد وصولها مصر، وتارة أخرى تنتهي ومريم ملقاة تحت تأثير المخدر معلنة عودتها للإدمان، أو تنتهي باكتشاف «حاتم» لحقنة الهيروين بعد عودته لـ«مريم »ليكتشف عودتها للإدمان التي لم تصارحه بها، ليجعل المشاهد يجلس على حرف مقعده لا يستطيع الانتظار لمشاهدة الحلقة التالية، رغم أن المسلسل لا يحتوي على مشاهد أكشن سريعة من التي يعشقها الجمهور.

 

9

ورغم أن «الجمهور مش ناقص نكد»، إلا أن «تحت السيطرة» لا يقدم «نكد» لمجرد «النكد» بل ربما «نكدًا مفيدًا ومسليًا»، يفتح أعين الناس على واقع الأمور من حولنا في المجتمع.. ليصبح مسلسلًا مميزًا ومختلف بشكل كبير عن كل منافسيه في الموسم الرمضاني.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى