أخبار الشرقية

زوج اتهم زوجته المؤيدة لمبارك بالخيانة فهددته بالرحيل

Mubarak 230610

صرخت في وجهه وصوتها يخترق جدران البيت: «منطقك يكرس للفوضى وشرعية الغوغاء»، فرد عليها: «ليكن.. المهم أن يرحل الطاغية وطغمته».. فبادرته بغضب حاد: «هؤلاء الذين يصرخون في ميدان التحرير، على الرغم من احترامي لمطالبهم أصبحوا هم الطاغية، كما أن طغمتهم من راكبي الموجة، ومتسلقي أكتاف النظام، ومشعلي الحرائق، من فلول المعارضة المتكلسة، والظلاميين من جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم من أصحاب الخطاب السلفي الذين انكسرت خطاباتهم وآيديولوجياتهم العقيمة على صخرة الواقع، وأفلست ولم تقدم جديدا على مدى أكثر من 50 عاما، كل هؤلاء الزبانية هم أُس الفساد والخراب».. واستطردت: «نعم أنا مع مبارك، لأنه لا يزال حتى هذه اللحظة العاقل الوحيد وسط جوقة هؤلاء المجانين المسعورين».
لوهلة أحسست أن جاري العزيز الأستاذ الجامعي الفاضل قد هُزم بالضربة القاضية، من زوجته الأستاذة الجامعية الفاضلة أيضا، وأنه قرر أن ينسحب من الميدان بأقل الخسائر، خصوصا حين أردفت الزوجة قائلة: «يا سيدي انظر إلى خطاب مبارك الأخير، ألم تشعر بحسك كأستاذ للفلسفة، أنه يقدم (روشتة) علاج مهمة يمكن البناء عليها، أشك في أنك لم تتفاعل بقدر من الإيجابية مع روح المصرية المحبة والمسؤولة التي انطوى عليها هذا الخطاب التاريخي والحاسم في رأيي».

لا أعرف كيف احتفظ جاري بهدوئه واتزانه السياسي والعاطفي، وربما غلف طلبه لزوجته بإعداد فنجانين من الشاي وبعض الشطائر، بابتسامة مراوغة، سرعان خفت بريقها، بعدما رفضت الزوجة طلبه قائلة له: «ليس عندي مزاج، قم أنت واصنع ما تريد».. للحظات بدا لي أن غبار المعركة، قد وصل إلى نقطة استقرار مطلوبة ولو بشكل مؤقت حرصا على ظروف الزوج الصحية، كما أن الوقت متأخر من الليل، على خوض نقاش ساخن حول واقع ملتهب، مرشح للاشتعال أكثر.

في الشرفة ومع عودة الهدوء للجارين العزيزين، كانت مشاهد الأحداث تترى فوق شاشة التلفاز الصغير.. التمست العذر لهما، وتمنيت أن يصلا في الغد إلى نقطة سواء، خصوصا أن مصر في وضع استثنائي ينذر بكارثة.. ولم أكد أنفض غبار النوم عن جفني، حتى فوجئت بالزوج يطل من شرفته المجاورة، ويلقى علي تحية مسائية مملوءة بالشجن: «انت لسه سهران؟».. بادلته التحية قائلا: «من أين سيأتي النوم والبلد يشتعل كما ترى؟!».. ورجوته أن يهدئ الأمور مع السيدة زوجته. فنحن في حاجة إلى التنفيس، وينبغي أن نتساند على بعض، حتى لو اختلفت الرؤى والأفكار.. قال لي: «عندك حق»، واتفقنا على أن نجلس معا في الغد لتهدئة الأمور.

في الصباح باغتني صوت الزوجة وهي تلح على زوجها أن يصحو.. وبدا صوتها الذي أخذ في الارتفاع مثل محقق أمسك بعد جهد مضن بالدليل القاطع على الجاني: «اصح يا أستاذ يا محترم، قوم شوف الحشود المخلصة من أبناء الشعب بكل طوائفه، خرجت بحب وتلقائية، خرجت بفطرة الروح لتأييد مبارك.. اصح.. راحت السكرة، وجاءت الفكرة».. وفجأة اختفى صوت الزوجة، أو بمعنى أدق طُمر تحت الركام وصراخ الزوج المحموم: «أنت امرأة مخرفة، معندكيش دم، وقربك من المجلس الموقر (يقصد المجلس القومي للطفولة والأمومة)، أفسد حياتك كلها وخرب حياتنا.. 30 سنة والبلد نهيبة لبلطجية ومرتزقة ومزوري الحزب الوطني، ودلوقت جاي مبارك يقول ادوني فرصة، كان فين كل هذه السنين؟!».

تقمصت دور اللص الشريف، وألصقت أذني بالجدار، بينما تلاشى صوت الزوجة تماما، وأصبح الرجل سيد الموقف، وبدا لي أن ثمة نهنهة ودموعا تنسكب، لكن لم أكد أضبط إيقاع تلصصي المنهك على الجارين العزيزين، حتى نفض غبار المشهد صراخ الزوجة مجددا، وبعنف أنثوي غاضب: «أنا باحذرك.. ارفع إيديك عن ابني الوحيد، على جثتي لو راح المظاهرة، وانضم لهؤلاء الغوغاء».. فرد الزوج بمنطق: «ابني حر، إنسان راشد، من حقه أن يعبر عن رأيه، وواجبي أن أحترم هذا الرأي، وهيروح المظاهرة غصبا عن عينك».

قفزت أذناي من فوق الجدار، وكأنني أتحاشى قنبلة موقوتة على وشك أن تنفجر.. هرعت إلى الصيدلية في المطبخ، وتناولت قرصا مهدئا، ثم تسمرت في مكاني، على صوت ارتطام قوي، تخيلته باب جاري العزيز، بينما كانت الزوجة تصرخ: «والله لسيبهالك، خللي الغوغاء ينفعوك، أنا مش عايزة أعيش معاك».. وبعصبية أخذت تصرخ في ابنها الوحيد: «هيا.. جهز شنطتك».. تسمرت في مكاني واحترت في أي اتجاه سوف تذهب أذناي من جديد!

عن صحيفة الشرق الأوسط

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى