مقالات

سامح المصري | يكتب : العزاء واجب للفلاح المصري في الأرز والذهب الأبيض

SAMEH 55نورت يا قطن النيل، ياحلاوة عليك يا جميل، اجمعوا يا بنات يلا، دا قطن جميل ألف ما شالله، هذا الكلمات للشاعر ” حسين المنسترلي”، الذي جسد بها حالة البهجة التي كانت تنتاب الفلاحين وهم يجمعون القطن، وكانت كلمات القصيدة التي تحولت إلى أغنية توصف زراعة محصول القطن الذي كان يتصدر به المصريين السوق العالمي، والذي كان يعد من أهم مصادر الاقتصاد في مصر، وظل المصريين لسنوات طويلة يفتخرون بالقطن طويل التيلة الذي لا يزرع إلا في مصر، وجنوب أمريكا فقط، وبعد الحرب الأهلية الأمريكية تربعت مصر على عرش زراعة القطن، وأصبح سعر القطن المصري أغلى سعر في العالم وقتها، حيث تصنع منه أجود المنتجات المصرية التي جذبة إعجاب جميع سكان العالم،في الخمسينيات من القرن الماضى، كانت المساحة الزراعية التي تزرعها مصر بمحصول القطن ما يقارب من 21%، وكان هذا يشكل 40% من قيمة الإنتاج الزراعي، وكان محصول القطن يشكل نحو 70% من حجم الصادرات المصرية للخارج، لذلك كانت قيمة الجنيه المصري تعادل قيمة 2 جنيه ذهب، وكان يتقدم على قيمة الدولار والجنيه الألسترليني.
شتان بين الأمس واليوم، فقد أصيب “الذهب الأبيض ” في تدهور كبير، بعد أن قلت مساحته زراعته وانخفض إنتاجه بشكل كبير، فبعد أن كانت مصر تزرع نحو 3 مليون فدان، تناقصت لتصل إلى 125 ألف فدان تقريبًا، وذلك توقف التصدير وتبارت الدول الأخرى في إنتاج أقطان منخفضة الأسعار أو إنتاج ألياف صناعية غزت الأسواق العالمية، حتى من تمسك بزراعته من الفلاحين عاني الأمرين في إنتاجه الذي انخفض إلى حد كبير ولم يعد يسدد تكاليفه وفي تسويقه الذي توقف بتوقف التصدير للخارج، وهذا لأكثر من سبب من بينهم فساد الحكومة، وفشل مراكز البحوث الزراعية، والإرشاد الزراعي وقتها، وبسبب تعرض مصر لأكبر عملية نصب شارك فيها مسؤولين في الحكومة المصرية وقتها، وشركة هندينة متخصصة في صناعة النسيج تدعى “ويلسبن”، وأمريكا، وإسرائيل، وكان العزاء قاصر على تشييع الجنازة، بل تم رفع شعار وقتها لا عزاء للجهلاء، لأننا لم نقدر قيمة النعمة التي رزقنا الله بها، وتسبب هذا بإنهيار بشكل كبير في الاقتصاد المصري، وزاد الفقر والجوع في بلد قال الله تعالى عنها (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَأمٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ.

بعد الجنازة الأولي التي شيع بها القطن المصري طويل التيلة إلى نفق مظلم، اليوم تستعد الحكومة لتشييع جنازة محصول “الأرز” الذي يعد من المحاصيل الاستراتيجية التي لا يمكن الاستغناء عنها، لأنه من السلع الأساسية لدى الشعب المصرى إضافة إلى أنه من المحاصيل التي تُدر عائدا اقتصاديا كبيرا جرّاء تصديره، كما أن قرار تقليل المساحات المزروعة بالأرز سيتسبب في كثير من المشكلات، سواء للفلاحين الذين لا تصلح أراضيهم إلا لزراعته، أو المواطنين الذين سيتضررون من ارتفاع سعره عند تقليل زراعته، بعد قرار الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى، الذي قرر تخفيض المساحة المنزرعة بمحصول الأرز الموسم هذا العام من مليون و100 ألف فدان إلى 724 ألف و200 فدان فقط. وذلك بسبب ضعف الوارد المائية نتيجة نباء سد النهضة الإثيوبي.

محافظة الشرقية التي تعد المحافظة زراعية من الدرجة الأولى، والذي يشكل لها محصول الأرز محصول استراتيجي وهام للغاية، أصبحت من المحافظات التي طالها قرار الووزير لمنع زراعة الأرز، وهذا يشكل كابوس في لدي الفلاحين الذي تعد الزراعة مصدر رزقهم الوحيد، لذا أتمنى من الحكومة أن تسعى في البحث عن طرق بديلة لترشيد المياه المستخدمة في زراعة الأرز، غير تقليل مساحات زراعته، وكان هناك العديد من المقترحات والدراسات، التي توفر زراعة الأرز بطريقة التكثيف التي توفر المياه المستخدمة في الزراعة، أو غيرها من الطرق الحديثة التي تستخدم كميات مياه أقل.

لهذا كان لابن مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية الدكتور «سعيد سليمان» أستاذ علوم الوراثة والجينات بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، الذي نجح في استنباط اصناف جديدة من الأرز (عرابي1 – عرابي2 – عرابي3 – عرابي4) الذي يتحمل الجفاف، ويوفر ما يقارب من 7 مليار متر مكعب من المياه ( على حد قوله )، وفي حوار صحفي سابق أجريته معه، كان قد صرح أن صنف الأرز عرابي الجاف، تمت زراعته في مساحة 200 ألف فدان على مستوى الجمهورية خلال الموسم الماضي، وكان إنتاج الفدان يتراوح ما بين 4 إلى 6 أطنان، ويوفر نصف كمية المياه المستخدمة في زراعته حيث يستخدم 3500 متر مكعب من المياه، وأثبتت الدراسات أن كمية نصف كيلو فقط من أرز الجفاف تكفي لإطعام 5 أفراد.

سؤال هام موجه إلى السيد وزير الزراعة، هل قرار منع زراعة الأرز هو القرار، أو الخيار الأفضل ؟، لماذا لم تلتفت إلى المقترحات العلمية التي تم طرحها من قبل العلماء والمتخصصين ، والتى تهدف إلى توفير المياه في وجود زراعة الأرز، هناك أيضا العديد من القترحات التي تهدف إلى ترشيد المياه، ومنها الأستخدام الصحيح للمياه والحفاظ عليها في الترع النيلية ، أفضل من إصدار هذا الفرمان الذي سيهدد أرزاق أهلنا البسطاء.

سامح المصري

كاتب صحفي ومدون منذ عام 2000، بداية احتراف الصحافة كانت من خلال موقع الشرقية توداي الذي اعمل به منذ عام 2011، اكتب جميع أنواع القوالب الصحفية ولكن اتميز في كتابة مقالات الرأي
زر الذهاب إلى الأعلى