مقالات

سامح المصري : يكتب | العلبة دي فيها إيه ؟

سامح المصري
سامح المصري

كل طفل في بداية عمره بيكون شايف قدام عيونه بشكل دائم «علبة مقفولة» يتخيلها ويحلم بما داخلها ، طبقًا لنسبة ذكائه ، علشان كده لازم الأسرة تفتح العلبة للطفل لأن طول ما العلبة مقفولة ، الفضول هيسيطر على عقله طول المراحل العمرية من الطفولة وحتى الشباب ، وممكن كمان بعد الزواج تحصل مشاكل كتير زاي الطلاق المبكر ، وعدم الرضا، والسعادة الزوجية، وذلك بسبب قلة الثقافة، والوعي، والتحصين بالمعرفة.

سيكولوجية الشك :

إحنا جيل كتير مننا محدش من أهله فتحله «العلبة» وهو صغير علشان كده النسبة الأكبر مننا كانت بيسطر عليها الفضول والتجربة ، وتلك التجارب كانت معظمها تجارب خاطئة ، وده بسبب أو نتيجة خجل الأسرة، أو الموروث الثقافي الخطأ ، إللى ممكن يوصل الطفل إلى الخطيئة،  وإللى كان بيشرع «الدخلة البلدي » للعروسين ، ودرس الثقافة الجنسية قبل الزفة يوم الفرح بساعة أو أقل من ذلك وسط حالة من حمرة الخجل والتوتر، والهمس بصوت منخفض في غرفة محكمة الغلق لكي لا يسمع أحد هذا السر الخطير!! في نظر البعض بالمجتمع المحافظ ، ذلك السر الذي جعله الله سر الحياة ، ( وممكن كمان في كتير مننا مخدش الدرس ودخل على العميان نتيجة خجل الأهل ، إللى ربوا العريس أو العروسة من الصغر على أن الجنس عيب وحرام بدون تفسير ليه عيب وليه حرام ) ، لذلك كثير من الأزواج يوم الدخلة يخيل لهم أن العلاقة الزوجية تعد جريمة ، أو يسيطر عليه لفترة طويلة «سيكولوجية الشك»  .

الثقافة الجنسية :

الأستاذ «معتز الدمرداش» كان بيناقش أمس على تليفزيون النهار مقترح تدريس «الثقافة الجنسية» في المدارس للطلاب زاي ما بيحصل في أوروبا ، طبعا المشاركين في الحوار كانوا ما بين مؤيد و معارض لأننا في مجتمع شرقي محافظ يرفض الإنفتاح الثقافي ، أو الحضاري ـ أو مواكبة العولمة ، ومتمسك بالعادات والتقاليد التي تربى عليها ، وهذه الموضوعات في الغالب يكون لها حساسية وحياء أو خجل في النقاش .

السؤال المهم هل الخجل أو الحياء شعور غير منطقي أو شعور مصطنع في المجتمع الشرقي الذي نعيش فيه ؟ في الحقيقة أن الشعور بالخجل مخلوق مع خلق الإنسان من بداية أول الخلق أبونا آدم وأمنا حواء ، وهذا ما وضحه القرءان الكريم في صورة البقرة ، التي تفسر وتوضح الشعور بالحياء حيث ذكر القرءان أن سيدنا آدم ، وحواء بعد الإستجابة للوسوسة الشيطان، كشف أو بدت عوراتهما فأسرعا يغطيان عوراتهما من أوراق الجنة، أو كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم ( فلمّا ذاقا الشّجرة بدتْ لهُما سوْآتُهُما وطفقا يخْصفان عليْهما منْ ورق الْجنّة ) يعني الخجل مشروع ولكن بحساب وفهم .

أنا بصفتي أب لطفلتان ومتزوج منذ 10 سنوات، أرى أن هذا الموضوع مهم للغاية، ولكن منهج الثقافة الجنسية ليس معقد ولا كبير لهذه الدرجة ، (يعني ممكن يخلص في محاضرة واحدة لمدة ثلاث ساعات من الأب أو الأم ) ، ولا يحتاج إلى ومدرس ومدرسة وكتاب وكل هذا البرنامج الضخم من الدراسات والمباحثات والسعي إلي حصد الموافقات الرسمية من جيل حكومي رافض التطوير والتجديد في ملف التربية والتعليم شكلًا وموضوعًا  .

العلبة دي فيها إيه ؟

العلبة دي فيها إيه .. ، الطفل الطبيعي لازم يسأل أسئلة محرجة وغير معتادة ، ولو الطفل ممتنع عن سؤال الأهل أو السعي إلى التحاور معهم بعمق ، هذا يأكد أن الطفل أما نسبة ذكائه ضعيفة، أو هناك حلقة مفقودة بين الطفل وأهله، ولابد من العلاج السريع من خلال متخصص في التربية النفسية .

أما عن رأيي في الموضوع المطروح للنقاش “فأنا مع أن الأسرة هى التي تقوم بهذا الدور في المنزل وليس المدرسة ، ولكن لابد أن يتحرر الأب والأم من الحديث على ما أحله الله بأنه ” عيب وحرام ” بدون الشرح والتفسير ، طبقا لموروث ثقافي مجتمعي خاطئ ، ولكن ممكن أن يكون هذا رأيي خطأ يحتمل الصواب، أو رأي صواب يحتمل الخطأ لكن أنا سعيد بفتح النقاش في هذا الموضوع .

باختصار شديد ممكن نلخص المنهج كله من خلال تجربتي في هذه الأسئلة من جانب الأطفال .. ولكن الأهم أن يكون الجواب من الأب والأم بشرح وافي ومفسر .

السؤال الأول : أنا جيت الدنيا إزاي ؟

السؤال الثاني : هو الراجل والست بيتجوزو إزاي ؟

السؤال الثالث : ماما أنتي خلفتي أخويا الصغير إزاي ؟

السؤال الرابع : هو أنا هتجوز إزاي ؟

طبعا كل هذه الأسئلة صعبة ومحرجة لأي أب أو أم ، ولكن لابد من المواجهة خصوصا أن الأطفال من سن الـ 5 سنوات ، بيذهبون إلى الحضانة ، والمدرسة ، وبيستخدمون أنترنت ، وممكن يتعرض الطفل لتحرش جنسي ، علشان كده لابد من تنويره ، في نطاق الأخلاق الحميدة ، لكى يستطيع التفسير والدفاع عن نفسه .

نضيف على ذلك ، أن الوالدين لابد أن يتحدثون مع الأطفال عن أجسادهم بشكل مبسط، وتعريفهم بالحدود الشخصية، وكيفية التعرف على أى محاولة لاختراقها، لأن معظم حالت التحرش التي نرصدها بشكل دائم من خلال العمل في الصحافة غالبا ما تكون من أشخاص مؤتمنة على الطفل مثل المدرسين أو عمال المدرسة أو المدربين أو مشرفين الباصات .

نعلم جميعا أن حينما تنعدم القيم الدينية والإنسانية، يصبح كل شىء مستباحا مهما كان مقدسا وبريئا ونقيا، فحينما تتمكن الغريزة من شخص اتخذ قراره بالبحث فقط عن لذاته المحرمة، فلا تتعجب حينما تسمع بشكل شبه يومى الآن عن حوادث الاعتداء الجنسى على الأطفال حتى فى سن مبكرة للغاية وكلنا نتذكر «الطفلة زينة» ذات السنوات الخمس بمدينة بور سعيد عام  2013 التي آبكت قلوب الملايين .

للأسف تتكر هذه الجرائم بشكل يومي في غفلة من جميع الأجهزة التربوية والإعلامية ، والدينية ، والتثقيفية ، التي اكتفت بقول «عيب ، وحرام  ، وميصحش كده» ، دون التنوير والتفسير والسعي إلى ترسيخ منهج تربوي صحيح مبني على العلم والوعي والإدارك .

المراحل العمرية للطفل :

لابد أن تعلم الأسرة أن لكل مرحلة عمرية يمر بها الطفل ، لها خصائص نفسية وسلوكية مختلفة ، لذلك يجب التعرف على خصائص كل مرحلة ، لكي يتعلم الوالدين كيفية التعامل مع الأطفال طبقا لطبيعة المرحلة العمرية .

المرحلة الأولي :

ودي بتكون ما بين الـ 2 إلى 5 سنوات في هذه المرحلة يظهر عند الطفل الفضول الشديد وكثرة الأسئلة ومنها تحسس جسمه والسؤال المتكرر عن أعضاء جسمه ، كمان ممكن يسأل السؤال الأول:  أنا جيت الدنيا إزاي ؟، ” كمان ” يبدأ الصغير في التعبير عن نفسه بالكلام، وقد يكون له صديق خيالي ويحدث نفسه أثناء اللعب أو الأكل ، وقتها لابد من أن يكون الأب والأم مستعدين للإجابة على أسئلته ، ولابد أن ويتعلمون كيفية الرد الصحيح على طفلهم ، ولكن بما يناسب سنه ، فمثلًا إن فقدت الأسرة فردًا منها سوء بالموت ، أو بالسجن ، وأ أي أشكال البعد عن الحياة الطبيعية ، لا تقولوا لقد سافر “زاي ما بنشوف في المسلسلات “، ولكن الإجابة الصحيحة تكون لقد ذهب عند الله أو سبقنا إلى مكان جميل مثلًا ، وفي حالة السجن لابد من المصارحة ولكن بشكل تدريجي لكى لا يصاب الطفل بصدمة .

المرحلة الثانية :

تبدأ المرحلة الثانية عند الطفل من 5 إلى 7 سنوات ، في هذه المرحلة ممكن الطفل يسأل السؤال الثاني: هو الراجل والست بيتجوزو إزاي ؟، بالإضافة أن يبدأ الطفل في كثرة الحركة ولا يستطيع الجلوس مطولًا وهنا تبدأ مشكلة المذاكرة والواجبات المدرسية ذلك لابد أن نمنح الطفل راحة متقطعة كل فترة ، ممكن أيضًا أن نستعين بالكتب المشوقة لتعويده على القراءة .
لان هذا سن التمييز والإدراك، لذا فإنه أفضل سن للتربية وغرس السلوكيات القويمة إذ يستطيع جيدًا أن يفهم الصواب من الخطأ ، ولا تنسى الإجابة على السؤال بشكل مفسر ومبسط يتناسب مع المرحلة العمرية .

المرحلة الثالثة :

تبدأ المرحلة الثالثة بدء من 7 إلى 10 سنوات ، في تلك المرحلة يبدأ في طرح أسئلة كثيرة وأكثر عمقًا، ويحب النقاش ويبحث عن السبب ، وممكن أن يسأل السؤال الثالث : ماما أنتي خلفتي أخويا الصغير إزاي ؟ أو ممكن يقول هو مين إللي خلق ربنا ؟  في هذه المرحلة يصبح الطفل  أكثر اعتمادًا على نفسه ، لذلك على الأسرة أن تعويده على تحمل المسؤولية، وبث روح الثقة فيه وفي إقامة الصداقة معه وفي جعله محبًا للعلم والقراءة والمعرفة ، والإجابة على السؤال بشرح وافي .

المرحلة الرابعة :

تبدأ المرحلة الرابعة عند الطفل من 10 إلى 18 عام ، وهذه المرحلة من أخطر المراحل العمرية ، وتعبر شاقة جدًا في تربية الأطفال طبقا لتحليل للمتخصصين في التربية النفسية ، لأنها معروفة بمرحلة المراهقة ، التي يبدأ فيها جسم الطفل بالتغيرات الفسيلوجية، وممكن أن يسأل الطفل السؤال الرابع : هو أنا هتجوز إزاي ؟ وفي هذه المرحلة يمر الطفل بصراع البحث عن الذات وتحديد الهوية ، لذلك يقرر أن يخوض التجربة بنفسه ، وتفسير ما بداخل ” العلبة المغلقة ” طبقًا لمفهومه وأحلامه الواقعية .

ممكن حد يقول أمتى نفتح العلبة ؟ وإيه الإجابات الصحيحة على الأسئلة المطروحة في المقال والمتوقعة من الأطفال .. ، أنا لست متخصص ، لذلك لابد من إستشارة متخصص في التربية النفسية للأطفال ، أو القراءة في هذا الموضوع من خلال مواقع متخصصة أو الكتب المتخصصة، المتوفرة في معظم المكتبات العامة والإلكترونية ، ( كمان نقدر نرجع لكتاب ربنا ونشوف إزاي فسر لنا طبيعة جسم الإنسان وطبيعة العلاقة الزوجية) .

العلاقة الزوجية في الإسلام :

في الحقيقة لا يوجد أي مبرر للمجتمع الشرقي المحافظ على الخجل الاجتماعي في الشرح والتفسير للطفل طبيعة جسمه أو طبيعة العلاقة الزوجية ، لان الله من فوق سبع سموات فسر لنا في آيات القرءان التي تشرح أحكام واصول العلاقة الزوجية ، حيث قال الله تعالى في ثورة البقرة ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) .. وقال أيضا في كتابه الكريم ” ويسْأَلُونكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، الجميل في تفسير ربنا أنه فسر المحيض ” العادة الشهرية ” عند النساء، ولو سألنا كتير من الأمهات هل شرحتي لابنتك طبيعة «المحيض» أو زاي ما ربنا شرحها في القرءان ؟ بالتأكيد هتكون الإجابة غير متناسبة مع أهمية الموضوع .

العلاقة الزوجية في المسيحية :

أما عن العلاقة الزوجية في المسيحية وشرحها بالكتاب المقدس في هذا النص ( لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِد، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِس، وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ ) ، يؤكد الكتاب المقدس على أن العلاقة الجنسية بين الزوجين هي علاقة شريفة وركن هام من أركان الحياة الزوجية، والعلاقة بين إتمام هذه العلاقة من حيث تحقيق السعادة والرضا، تتناسب بشكل طردي مع الحب المتبادل والزواج الناجح، المبني على العلاقة السامية الطاهرة الشريفة المفعمة بالمشاعر الجياشة الكريمة .

لابد من التسلح بالعلم والمبادئ الدينية السمحة في تربية الأطفال ، وفتح قنوات النقاش معهم ، وأعطائهم مساحة من طرح الأسئلة والنقاش والإجابة الوافية على سؤال ( العلبة دي فيها إيه ) من قبل الأسرة لكي لا يلجأ الطفل إلى استكشاف عالمه الخاص من خلاء تجارب شخصية ممكن أن تكون خاطئة .

سامح المصري

كاتب صحفي ومدون منذ عام 2000، بداية احتراف الصحافة كانت من خلال موقع الشرقية توداي الذي اعمل به منذ عام 2011، اكتب جميع أنواع القوالب الصحفية ولكن اتميز في كتابة مقالات الرأي
زر الذهاب إلى الأعلى