مقالات

سوزان بشري | تكتب : تلبك عقلي

 

10338854_10202662205569256_456884279_n

 

ذات يوم كنت اتصفح احدى مواقع التواصل الاجتماعي وفوجئت بأحد الاشخاص يحارب العنصريه ولكن بطريقته الخاصة حيث قام بنشر صوره زفاف لزوجيين من ذوي الاحتياجات الخاصة وكتب فوقها «لو انت مش عنصري وقلبك ابيض قولهم مبروك !!!؟» حينئذ أدركت بأن التلبك ليس معوياً فقط بل أن هناك تلبك آخر يصيب العقل يسمي «تلبك عقلي» .

إن كان التلبك المعوي يصيب الانسان نتيجة تناوله للعديد من الوجبات والاطعمة غير المتناسقة وبكميات أكبر من مايسمح لمعدته أن تتحمله وتهضمه بشكل سليم فكذلك « التلبك العقلي» هو ملئ العقل بمعلومات كثيرة ومتناقضة دون أن نعطي للعقل مساحة كافية لاستيعاب كل معلومة وفهمها بشكل صحيح ثم تخزينها فيصبح لديه القدرة نا يستدعيها في وقتها المناسب وبشكلها الصحيح ، ولكن الأمر هنا يأخذ شكلاً مختلفاً تماماً، فنحن لا نستطيع أن ننكر أبداً أننا جهلنا بعمد أو عن غير عمد منذ سنوات كثيرة ونتيجة الجهل اكتسبنا عادات وأفكار وقيم غريبة مثل أن الرجل أفضل من المرأة وصاحب البشرة البيضاء أجمل من صاحب البشرة السمراء وذوي الإحتياجات الخاصة يثيرون الشفقة «مصمصه شفايف والحمدلله الذي عفانا مما ابتلي به غيرنا» … إلي آخره من أمثله لا تعد ولا تحصي، إلى أن قامت الثورة ورفعت شعار «عيش حرية كرامة إنسانية وعدالة إجتماعية» وما تابعه من مصطلحات وعبارات عظيمة ولكنها تحولت لدينا إلى مجرد شعارات زرعناها في عقولنا دون أن نمحي آثار تراكمات من الجهل والعنصرية فأصبح العقل لدينا مزدحم بالتناقضات ولكن بالطبع تراكمات سنوات وسنوات هي الأقوى والأعمق والأكثر وضوحاً حتي وإن حاولنا أن نغلفها بعبارات تبدو راقية واعية كالحرية والمساواة والديمقراطية وعدم التمييز الا أن «الطبع يغلب التطبع» ننادي بالحرية بشكل وطريقة نقضي فيها علي حرية الآخرين، نطالب بالديمقراطية ونرفض تطبيق حكم الأغلبية، ننبذ العنصرية وعندما نفتح أفواهنا فقط لنتكلم نسقط في أبشع جرائم العنصرية.

إن كان علاج «التلبك المعوي» يحتاج لتنضيف وإراحة الأمعاء قبل تناول أي وجبة جديدة حتى وإن كانت صحية كذلك «التلبك العقلي» يحتاج لغسل العقل وتنضيفه من كل شوائب الجهل ثم إعادة ترتيب معلوماته وأفكاره لا بشكل جمل رنانة بل معرفة ملمة فاهمة مدركة لما تعنيه كل قيمة انسانية حتى تتحول إلى صفى فينا، وقتها فقط سندرك كيف نكون أحراراً ننبذ بصدق كل أنواع التمييز والعنصرية بعقولنا وقلوبنا .

  • الأراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي ، بينما تعبر عن رأي الكاتب.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى