مقالات

عبد الغني الحايس| يكتب: تخاريف

عبد الغني الحايث

منذ فترة وأنا احاول البعد عن العالم الافتراضى الذى يفرض سطوته على كل شىء فى حياة البعض وبرامج الثرثرة الليلية بشكل قوى، حتى أننى قررت المقاطعة والعيش فى العالم الواقعى بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات فتلك هى حياتنا وذاك هو عالمنا الحقيقى الذى يجب أن نعترف به ونتكيف عليه ونتعامل مع كل معطياته؛ حتى يتلائم مع ظروفنا وأحوالنا، نطوعة لكى يكون طريقنا سهلا برغم عواقبه، فما خلقت الحياة للراحة .فكلها كد وتعب وشقاء. والله خلقنا فوق بعض درجات ويجب أن تسود حالة من الرضا يصاحبها عمل وكد وتعب حتى تستمر الحياة .

فلا يوجد مجتمع كل أفراده من الضباط ولا الأطباء ولا القضاة ولا المدرسين والعمال، إنما هناك مجتمع كامل ومتكامل يتعاون معا كلا فى عمله وما خلق له، تسوده العدالة والإخاء والمحبة والتعاون. فلا غنى لنا على عمل عامل النظافة ولا القاضى ولا المدرس ولا الممرضة ولا الصحفى، وكذلك اليسارى والاشتراكى والليبرالى وكافة التيارات السياسية . وهكذا تبنى المجتمعات والذى نتمنى فيها أن يكون هناك عدالة اجتماعية كاملة ومساواة فى الحقوق والواجبات وهذا ما قامت علية مبادىء ثورة يناير أن نخلق مجتمع مثالى . بعد أن وضعنا أيدينا على كل جروحنا وعرفنا نقاط الضعف التى جعلت الوطن فى حالة من الترهل والضعف والتأخر . فلن تبنى الأوطان بالكلمات ولا الشعارات ولا بالحرب النفسية وحالة الإقصاء والعناد وفرض الهيمنة من فصيل سياسى على باقى شرائح المجتمع .

ولكن للأسف وبعد كل تلك السنوات من ثورة يناير مازال التناحر مستمر والتعصب الأعمى من كل فصيل وحتى أفراد، وأنهم يمتلكون الحقيقة الوحيدة والمطلقة وما دونهم مخطأ ويهدم الوطن، لم نسمع لصوت العقل بعد فهناك قيادة سياسية تملك كل أدوات التغيير ولكنها لا تملك كل أفراد الشعب وأن القلة القليلة التى تشكل المعارضة لا تملك سوى الثرثرة ولا تحاول أن تكون هى الأخرى يد ومعول من معاول البناء.

منذ أيام دُعيت إلى مؤتمر اقتصادى نظمه أحزاب التيار الديمقراطى والمنتدى الوطنى، وانتهى المؤتمر بكتيب مبسط فيه بعض الحلول لمشاكل مصر الاقتصادية من وجهة نظر المعارضة ولكن للأسف لم يجد المؤتمر له صدى عند النظام لدرجة التجاهل التام والمتعمد بعد إعلان نتائج ذلك الجهد أو حتى مناقشتهم فى ورقة العمل المقدمة من القائمين على المؤتمر، فهكذا يكون البناء فعلى النظام أن يرد عليهم أو يكذب حجتهم فيما يفندونه من سقطات توضع فى طريق الوطن .

وعلى هامش ذلك المؤتمر دار حوار بينى وبين بعض مقدمى أوارق التصحيح الاقتصادى ومنهم مرشح رئاسى سابق، ولكن أفزعنى رده بأن ذلك النظام قد سقط ويجب أن يرحل .جملة غير محسومة من رجل لة ثقله السياسى أن ينادى بسقوط النظام لأنه يختلف معه، وهل من حقنا أن نتفق طوال الوقت مع النظام أو نختلف معه طوال الوقت لأننا لا نستهوى القائمين على الحكم . فهل للنظام إيجابيات ؟هل صنع ذلك النظام تغيير حقيقى فى فترة تولية إدارة شئون البلاد ؟ وما مدى التفوق والإخفاق فى تلك الفترة ؟ فعلينا أن نضع أسئلة جادة لنكشف كل عوراتنا ولكن فى نفس الوقت علينا أن نضع أيضا فى الاعتبار إيجابيات ذلك النظام الحاكم حتى لو اختلفنا معة قلبا وقالبا، وأن نكون موضوعيين فى عرض الحقائق حتى نكون صادقيين مع أنفسنا .ولكن حال المعارضة الحزبية فى مصر مترهلة بعيدة عن الشعب ولم تقدم لهم شيئا غير ثرثرة فى غرفهم المغلقة وخلق حالة من البلبلة بتويتاتهم فى العالم الافتراضى الذى يعيشونه مع أوهامهم .

ولا أنسى أول يوم رمضان وقادتنى الصدفة للقاء بعض المعارضين من تيار الإسلام السياسى وتحديدا الإخوان المسلمين وهم يتحاورون عن حلقة محمد نصر فى برنامجة المذاع من تركيا وإيمانهم بكل كلمة يقولها وان هذة هى الحقائق الغائبة عنى .ولك أن تنظر إلى حالة الحماسة فى أعينهم وفى سردهم بأن النظام أوشك على السقوط وأن عودة مرسى أصبحت حتمية بعد موجة غلاء الأسعار وأن السيسى ينفذ أجندة صهيونية أمريكيةأ وأنه ليس رئيس مصر بل مندوب الدول الغربية لهدم مصر وأن كل الأجهزة تساعده بعد أن هربوا أموالهم خارج البلاد استعدادا للحظة السقوط .ناهيك عن شغفهم بأنة يوجد انقلاب داخل صفوف الجيش وأن ثورة الجياع قادمة لا محالة لتهلك الأخضر واليابس وغيرها من الخرافات التى يتداولونها بكل ثقة على أنها حقيقة .تأملت المشهد وسرحت بخيالى وقلت ياترى كم من هؤلاء يعشون بيننا ويتنفسون ذلك الشر والمكر والكيد لذلك الوطن .فإن كانت بلادنا ليست عزيزة لديهم لماذا يعيشون بيننا لماذا يذهبون الى أعمالهم الجكومية وينعمون بكل خير فى هذا الوطن .حتى قلت لفرد منهم هل تحصل على تموين ؟هل لديك غاز طبيعى وصرف صحى وكهرباء ومياه فى بيتك؟ هل لديك تأمين صحى ودخل ثابت نظير عملك والذى لا تقوم به على خير وجه … هل هل هل كثير من الأسئلة والإجابة كلها بنعم وكان رده النهائى يجب أن توفر لى الدولة كل ما سبق وكان ردى وأين ما تقدمه أنت للدولة لنيل كل ما سبق .

تلك هى أزمتنا نعيش بحالة من العاطفة وتدور حياتنا كلها فى فلكها .تكره النظام لأنك إخوانى أو ناشط سياسى معارض أو أى شىء فلن تقبل منه إنجاز؛ لأنك تراه طوال الوقت فاسد وخائن وعميل ولم تحاول أن تجمع الصورة كاملة لتدقق فى المشهد. والمؤيد هو الآخر لا يرى فى النظام سوى حسناته وينكر كل سيئاته، وتلك إشكالية أخرى . هل لنا أن نعترف باخطائنا ؟هل لنا أن نعرف مواطن الضعف والقوى فى ذاك الجسد المصرى حتى يشفى تماما ؟ علينا أن نتحلى بالموضوعية والواقعية وأن يكون العقل هو الطريق الذى نسلكه بعيدا عن العاطفة الجياشة التى دائما ما يكون السير ورائها لها عواقبة الوخيمة . وسنظل نسعى جاهدين لنحقق حريتنا ونعيش فى كرامة ولتسود العدالة بين الجميع .وأن نعلم ان الجسد إذا شفى تماما صرنا أصحاء جميعا . فدعونا نحلم ونحلم ونسعى لتحقيق أحلامنا لنخلق مصرنا الجديدة من أجل أبنائنا ومستقبلهم . دعونا نفتخر بأننا كنا يد تبنى أملا ومستقبلا فى ظرف صعب تمر به البلاد، لقد تاخرنا كثيرا وحان الوقت لنعود لحضن الوطن.

حفظ الله الوطن ومواطنية جميعا.

الآراء المنشورة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي.

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى