مقالات

عبد الغني الحايس| يكتب: قصة وطن وزعيم

 

الحايس 2

 

لى كوان يو نظرت إلى صورته طويلاً وكأننى أبحث عن سر عبقريته فالرجل الذي صنع مجد وتاريخ دولته وشعبه مع فرد واحد صنع المعجزات ونقل سنغافورة من دول العالم الثالث إلى دول العالم الأول، وهنا استحضرت جملة جاك شيراك رئيس فرنسا عندما قال عجيب أمر سنغافورة التي تحولت في 30 عام إلى بلد راق ومن يريد معرفة ذلك فعلية النظر إلى لي كوان الذى نجح في تحويل المدينة إلى دولة وجمع حولة العقول اللامعة واستطاع أن يهتم بالتعليم ومحاربة البطالة والإدخار فكانت سنغافورة .


ولد لى كوان عام 1923 وأصبح أول رئيساً لحكومة سنغافورة بعد انتخابات برلمانية فاز فيها حزبة الذى أسسه وتولى القيادة وعمره 35 عاما وكانت دراسته للقانون بجامعة كامبريدج هى التى أهلته للعمل السياسي والذي انتهى بتركه الحكم طواعيته عام 1990 معطياً الفرصة للشباب بعدما أصبح رمز وأب روحى لكل السنغافوريين برغم أنه كان الديكتتاتور الرشيد وقد تعرض للإنتقاد بسبب تقيده لحرية التعبير ومحاصرته للمعارضة إلا أن الكثيرين اعترف بعد ذلك بعبقريته، ولقد قال قمت بفرض بعض السياسات القاسية من أجل الوصول إلى الوضع الصحيح كما كان يؤمن بأفكار ميكافيلى لذا كان يقول إذا لم يكن هناك أحد يخشاني فأنا بلا معنى وكان كوان شخصية عملية وواقعية وقوية وطموحة وكان يقول إن استطعت أن تنال منى وتؤذينى فافعل ولكن لايمكن أن تحكم مجتمع صينى سوى بهذه الطريقة وهذا ما صنع نجاح سنغافورة شخصيته وطموحه وارادته الفولازية ورغبته في النجاح والتى انعكست على شعبه .


فقد كانت سنغافورة مستعمرة بريطانية و تعيش في فقر وجهل ومرض وفساد وانتشار معدلات الجريمة والقتل والسرقية، وكانت قد انضمت إلى إتحاد الملايو والذى لم يستمر سوى عاميين وتركتها ماليزيا ونالت استقلالها بعد انفصالها عن الإتحاد في 9 أغسطس 1965 وهو نفس يوم استقلال سنغافورة.


ولكن استطاع لى كوان تحويل سنغافورة من جزيرة مليئة بالمستنقعات والبعوض وتتزاحم فيها أكواخ مواطنيه الصياديين إلى ناطحات سحاب، فقد غرس فيهم حب العمل وبنى المصانع وأقام الشركات وأغلق السجون وطبق حكم القانون، وكان التعليم هو شغله الشاغل وهو قاطرة التنمية لذلك اهتم بالتعليم واهتم بالمعلميين وإعطاهم أعلى الرواتب وقال لهم أنا على بناء الدولة وأنتم عليكم بناء الإنسان وأرسل البعثات للخارج للاستفاده من خبراتهم فور عودتهم فى نهضة بلدهم، وفتح ذراعية مع شعبه للتطلع إلى مستقبل أفضل بل وسعى إلى ذلك حتى تحقق لة ما أراد، فقد قال رأيت في الاحتلال الياباني لسنغافورة كيف يخضع الناس لأنهم يريدون الحياة والطعام وتعلمت بعد ذلك ماذا تعنى القوة.
فلقد استلم الجزيرة ونسبة البطالة مرتفعة وتنتشر الأوبئة والأمراض وليس لديه موارد طبيعية ولا بنية تحتية ولا شرطة لضبط النظام ليس سوى كتيبتين عسكريتين من وحدات الجيش الماليزى ولا مدارس ولا جامعات كافية.


كذلك انسحاب بريطانيا نهائياً من الجزيرة كان سبب قوى فى ازدياد الوضع السىء لما كانت توفرة تواجد القوات من فرص عمل كما كانت تشكل ثلاثة أرباع دخلها القومى وضياع أكثر من 30 ألف فرصة عمل ولكن مع خروج آخر جندى استعاد جميع المبانى والقواعد التى كان يستخدمها الإنجليز واقنعهم بعدم تدمير أحواض سفنهم بغرض تحويلها للإستخدام المدنى وأحسن هو استغلالها.


كانت تلك بعض أكبر التحديات التي كانت تواجه الزعيم ولكنه أخذ في البدأ في مواجهة الأولويات وبدأ بالتسليح ثم قطاع السياحة والذى سيوفر فرص عمل ويقلل من البطالة ويوفر موارد مالية من أجل استمرار التنمية.


ثم بدأ في إنشاء المصانع الصغيرة وتشجيعها وأنه أحسن اختيار العنصر البشرى الفعال والكفأ لأي مهمة دون النطر عن دينه أو انتمائه وأصولة، وتمسكه بالقيم الحضارية والتاريخية بالإضافة إلى صرامته في ضرورة تحديد النسل لمواجهة الإنفجار السكاني والذي هو العائق الأكبر في عملية التنمية ولكن بعد ذلك عندما تحسنت البلاد وضع برامج تحفيزية لزيادة النسل بعد أن ضمن لهم مستقبل مشرق وتعليم ممتاز ورعاية صحية وفرص عمل مستقبلية.


وقد بنى مدينة صناعية على مساحة 9 آلاف فدان لجذب الاستثمارات الأجنبية، ونظراً لموقعها الفريد استطاعت في تلك الفترة أن تستقبل 70% من تجارة حاويات العالم وتكون أنشط ميناء بحرى وثالث أكبر موقع لتكرير النفط في العالم ومركز رئيسي للصناعات التحويلية والخدمات، واقنع الأوروبيين والأمريكان واليابانيين من تأسيس قاعدة للأعمال في البلاد حتى أصبحت من أكبر مصدرى الإليكترونيات في العالم وهيأ البلاد إلى الاستقرار السياسي وتهيئة البنية التحية الجاذبة للاستثمار مع طمانة المستثمرين وكان لى كوان يتميز بالصرامة في تنفيذ مخطاتاته لعملية التطوير والتحديث .


كوان نجح في وضع سنغافورة أن تكون رقم واحد في كل أحصاء سواء كان في النمو أو دخل الفرد أو التعليم أو النظافة أو البيئة أو مستوى المعيشة، كما استحوذت على أي إحصاء يتم إلى وتصدرته.


واستطاع كوان في تحويل كل مواطن من شعبة إلى شخص مسؤل وغرس فيهم الجدية وحب العمل والواجب وعلمهم التسامح الديني فيعتنق 15% منهم الإسلام وباقي السكان يعتنقون البوذية والكنفوشية والمسيحية بل كان هناك تنوع عرقي وثقافي وديني وخليط من السكان الصينين والملاويين والهنود كما أن اللغة الأساسية الإنجليزية وتنشر اللغة الصينية والماليزية، ورغم ذلك استطاع أن يوحد بينهم جميعاً، وحارب معهم كل الأمراض المجتمعية لذلك أصبحت بلاده أهم مركز مالي وتجاري في العالم وقفزت الاستثمارات الأجنبية إلى أعلى معدلاتها والتي انعكست على الناتج المحلى وعلى دخل الفرد وكان موظفى القطاع العام يحصلون على رواتب تنافسية مع موظفى القطاع الخاص كما حارب الفساد حتى كانت رقم واحد في الشفافية في تقرير منظمة الشفافية الدولية .


فلا تجد نجاح حدث في سنغافورة إلا واقترن اسمة لى كوان به فحقاً هو معجزة تستحق الدراسة والتأمل والإقتداء بها رجل واحد استطاع أن يحول جزيرة نائية إلى دولة حديثة متقدمة خلال 30 عاما فقط، لذلك نال أرفع الأوسمة والنياشين فى حياته من بلدان العالم كما عمل مستشاراً لبلادة ولابنه بعد أن سلم الحكم وعمل أيضاً مستشاراً خاصاً للصين بشكل غير رسمى تقديراً لدوره.


ومن أقواله التى استوقفتنى قوله أن الجيران الغير مناسبيين يعلمونك الإعتماد على نفسك، وأن على الدول استغلال كل مواردها البشرية والطبيعية بشكل كامل لتحقيق النمو المتوازن وأن الدول تبني بالتعليم وأنه إهتم بالإقتصاد على السياسة، كما ذكر كوان أصنعوا الإنسان قبل أي شىء أمنوا المرافق والخدمات ثم اجعلوه يستخدمها بطريقة حضارية ونظيفة وأعيروا التفاصيل الحياتية اليومية للمواطن كل الإهتمام، كما وصفته مجلة التايم بأنه رجل عظيم الذكاء ليس لديه صبر على أنصاف الحلول وهو ماتظهره أفعالة قبل كلماته .


سيبقى لى كوان رغم رحيله أسطورة وملهم فهل أن الأوان أن نستلهم سيرته ومسيرته في مصرنا الحبيبة.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى