أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : التليفزيون.. الناخب الأول

عماد الدين حسين

الإعلام عموما، والتليفزيون خصوصا صار الطريق الأقرب والأقصر إلى الفوز فى الانتخابات وأحيانا لتولى المناصب.
من نتائج المرحلة الأولى ثم الجولة الثانية من الانتخابات النيابية يتضح لنا أن غالبية المشاهير حققوا الفوز أو دخلوا مرحلة الإعادة والقاسم المشترك الأكبر بينهم هو الشهرة أو معرفة الناس بهم. ولا ينطبق ذلك على الأفراد فقط بل على قائمة «فى حب مصر» التى ضمت عددا كبيرا من المشاهير ونجوم المجتمع.
بالطبع هناك أسباب أخرى كثيرة، لكن الشهرة كانت عاملا رئيسيا، حتى لو كانت شهرة سلبية مشينة، فليس كل مشهور شخصا جيدا أو محترما.
وبصفة عامة فإن غالبية من ترشحوا من المشاهير أمام مرشحين غير معروفين للعامة فقد فازوا، وبعضهم فاز من الجولة الأولى.
الشهرة توفر لأصحابها أكثر من نصف الطريق إلى البرلمان، وأصحابها قد لا يجدون أنفسهم مضطرين إلى الذهاب للناخبين، بل إن بعض الناخبين يأتون للمرشحين ربما أملا فى التقاط صورة مشتركة.
الأمر لا يقتصر على ذلك، بل إن التليفزيون صار المورد الرئيسى للتوظيف السياسى. فى السنوات الخمس الأخيرة كان العديد من التعيينات من مناصب مهمة سببها الجوهرى أن صاحبها يظهر فى التليفزيون سواء كان ضيفا أو صاحب برنامج، وسمعت ذات يوم من مسئول سابق كبير أنه استعان بشخص ما لأنه شاهده يتكلم بصورة جيدة فى التليفزيون.
هذا الأمر حدث أثناء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحدث أيضا فى عهد الإخوان، وبعض من تم تعيينهم مستشارين للرئيس الأسبق محمد مرسى كان السبب الرئيسى هو ظهورهم التليفزيونى، وهو أمر ليس مسيئا بطبيعة الحال، ثم تكرر الأمر خلال المرحلة الانتقالية الثانية بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
ما المغزى من كل ما سبق؟! باختصار، هذا الأمر يعنى أننا نفتقد إلى الآليات والهياكل والأجهزة التى تفرز كوادر سياسية طبيعة يمكنها أن تترشح فى الانتخابات، أو تتولى أى مناصب قيادية.
المؤكد أننا نعانى من نضوب وقلة هذه الكوادر فى العديد من المجالات، وبالتالى وبدلا من يكون التليفزيون والبرامج الحوارية هو المصدر الوحيد للتعيينات، علينا أن ننشط المسارات الطبيعية لزيادة الكوادر المؤهلة.
المسار الأول هو تنشيط المؤسسات الحزبية، بحيث تلعب دورها الطبيعى وهو تربية الكوادر السياسية، بحيث يتنافسون على عضوية المجالس المحلية أولا، ثم البرلمان، وبالتالى يمكنهم أن يتولوا المناصب الوزارية إذا وصل حزبهم إلى السلطة.
المسار الثانى هو أن تقوم هذه الأحزاب والحكومة أيضا ومراكز الأبحاث والدراسات ذات الصلة بإعداد دورات تدريبية حقيقية وورش عمل لتجهيز الكوادر الحزبية والشخصيات العامة على كيفية ممارسة العمل العام.
لو حدث ذلك، فإننا لن نكون بحاجة إلى البحث عن كادر سياسى وكأننا نبحث عن إبرة وسط كومة من القش. بل سنجد أكثر من مائة شخصية تصلح لتولى منصب واحد وليس كما يحدث الآن.
قبل فترة قال لى أحد وزراء حكومة الدكتور حازم الببلاوى إنه نظم مسابقة من أجل منصب استشارى مهم فى الوزارة، لكنه فوجئ أن كل من تقدم لا يصلح لغياب الخبرات والمؤهلات باستثناء الفهلوة.
غياب هذه الكوادر هو أحد أسباب المشكلات الكثيرة التى يعانى منها كثير من الهيئات والمؤسسات السيادية منها والعادية.
اختيار كبار الموظفين من خلال برامج التليفزيون قد يكون صائبا مرة، لكنه قد لا يصح فى أكثر المرات. ليس كل من يتحدث جيدا فى برامج التوك شو يصلح بالضرورة للمنصب الكبير. الكلام المنمق والمنطقى شىء مهم، ويصلح للخطابة، لكنه قد لا يصلح لإدارة هيئة أو مؤسسة أو وزارة أو حتى مجلس أمناء عمارة!!!.
هذه المناصب تحتاج إلى أشخاص لديهم خبرات إدارية كثيرة، وعمل سياسى، ومؤهلات كثيرة أخرى.
عندما ينجح مرشح لأنه يظهر فى التليفزيون كثيرا، أو يتولى شخص منصبا مهما لأنه وجه معروف، فالمؤكد أن هناك مشكلة كبيرة سنعانى منها لفترة طويلة.
تذكروا أن السبب الرئيسى فى هذه المأساة شخص يدعى حسنى مبارك أمم السياسة وقتلها وجرف التعليم وسائر المجالات، وما زلنا للأسف نحصد ما جناه.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى