أعمدة

عماد الدين حسين| يكتب: المتطرفون يمينًا ويسارًا

emad-aldeen-hoseeenmas-maser-alsahafieen32

.. وكالعادة تنقسم غالبية المصريين، ويتطرفون فى كل شىء إلى أقصى مدى، ولا يحاولون النظر بهدوء وعقل إلى أى قضية.

صباح الخميس الماضى فاجأ البنك المركزى الجميع واتخذ قرارا غير مسبوق بتحرير الجنيه وتركه لآليات السوق، وفى المساء وقبل أن ينتصف الليل بقليل قررت الحكومة رفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين ٣١٪ إلى ٤٨٪ لتخفيف فاتورة دعم المحروقات.
وباستثناء أصوات قليلة عاقلة، حاولت أن تحلل الأمر بموضوعية، وفى إطار الظروف المختلفة التى صاحبت اتخاذ القرارين، فقد كانت السمة الغالبة على المناقشات والمواقف هى إما التأييد التام وإما الرفض المطلق.
أفهم أن يكون الرفض المطلق هو موقف جماعة الإخوان، وأفهم أن يكون التأييد المطلق هو موقف أنصار الحكومة، لكن أن يتحول الرفض والتأييد إلى موقف لغالبية المعلقين والمتابعين والمواطنين خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعى، فهذا يعنى أن مرض الاستقطاب المزمن قد تمكن من الجميع، وبالتالى فإن استقرار المجتمع أمر بعيد المنال حتى إشعار آخر.
الذين أيدوا قرارات رفع أسعار الوقود اخترعوا شيئا جديدا وهو أنها قرارات جيدة ومفيدة للاقتصاد، وتلك هى المرة الأولى التى يصبح رفع أسعار سلع أساسية أمرا طيبا، مثلما هو الحال معهم حينما رأوا أن تحرير سعر الدولار بالكامل أمر ممتاز، على الرغم من أنه خسف بعملتنا الوطنية الأرض، وعلى الرغم من أنهم يدركون أن القرار مغامرة غير مأمونة العواقب وقد تتسبب فى أضرار خطيرة للاقتصاد القومى!!.
كنت أفهم أن يصمت المؤيدون أو يكتفوا بالقول إن الإجراءات شر لابد منه، وعلاج مؤلم وموجع وصعب بسبب الحالة الكارثية التى وصلت إليها حال الاقتصاد المصرى، لكنهم كالعادة أرادوا أن يضيفوا لمستهم مثلما فعلوا حينما أرادوا التدليل على أن تيران وصنافير سعودية!!.
أما موقف الرافضين بالمطلق، فلم يختلف كثيرا عن الفريق الأول. معظمهم رفض القرارات فقط لأن الحكومة والرئيس هو الذى اتخذها. قد يصلح هذا الموقف مرة أخرى لجماعة الإخوان، أو الفقراء الذين اكتووا بالقرارات وسيدفعون ثمنها الأكبر، لكن هناك شريحة كبيرة، رفضت الأمر من دون بذل أى محاولة لفهم الموقف الخطير الذى يمر به الاقتصاد المصرى.
لم يسأل معظم هؤلاء أنفسهم: لماذا اتخذت الحكومة هذين القرارين، وما هو الوضع الصعب للاقتصاد، وماذا يعنى عدم اتخاذ هذه القرارات أو تأجيلها، وما هى البدائل العملية القابلة للتطبيق، فى ضوء كل الظروف المحيطة؟!!٠
تحدث هؤلاء أو بعضهم فى الهواء الطلق ولم يخبر نفسه أو من يتحدث إليهم عن الحالة الخطيرة التى وصلنا إليها، والأرقام المفجعة من أول عجز الموازنة إلى الديون الداخلية والخارجية وتراجع الإنتاج والصادرات والسياحة والتحويلات والاستثمارات.
وبعض هؤلاء اتهم الحكومة بأنها السبب فى كل ما سبق من أزمات. وقد تكون الحكومة فعلا مسئولة عن جزء من الأزمة، لكن المؤكد أنه وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كان هناك وضع اقتصادى كارثى أيضا بفعل التراكمات طوال عهد حسنى مبارك، وإلا فما الذى دفع المصريين للثورة عليه فى ٢٥ يناير ٢٠١١ رافعين شعار «عيش وحرية وعدالة اجتماعية».
لم يسأل هؤلاء كيف يمكن أن نتقدم إلى الأمام بهذه النوعية من التعليم والصحة وسائر الخدمات، والأخطر بهذه النوعية من الجهاز الإدارى المترهل والمتخلف؟!.
أسهل شىء مريح فى الحياة أن تؤيد أو تعارض بالمطلق من دون أن تتعب نفسك فى رؤية أبعاد الصورة الكاملة، والإيجابيات والسلبيات فى كل أمر أو قضية.
ليس ما سبق تمييعا للأمر أو إمساكا للعصا من المنتصف، بل محاولة لكى يبذل كل شخص خصوصا أهل النخبة جهدا حقيقيا، كى يفهم ويطلع ويحلل أولا، حتى يكون قادرا على إفهام الآخرين.
بعض هؤلاء لا يكلف نفسه عناء العودة للأرقام المعلنة والمتاحة بكبسة زر على جوجل، لأنه لو فعل فربما ما اتخذ هذا الموقف أو ذاك. المعلومات متاحة لمن يريد، لكن الهوى وعمى القلوب يجعل كثيرين يتورطون فى أحكام مطلقة.
ما يحدث من تطرف يمينا أو يسارا يصيب المجتمع بأخطر الأمراض. وقد ندفع ثمنا فادحا له فى المستقبل.
ربنا يستر.

زر الذهاب إلى الأعلى