أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : لماذا ينفر المصريون من الأحزاب؟

%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86

مساء الثلاثاء الماضى كنا 12 شخصا نجلس ونتناقش حول الامور العامة الصحبة كانت متنوعة وضمت رئيس مجلس أمناء جامعة مرموقة وباحثاً سياسياً شهيراً وخمسة رؤساء تحرير واثنين من مقدمى البرامج التليفزيونية واثنين من أساتذة الجامعات ومترجمة ومعظم الحديث كان يدور حول كيفية اصلاح التعليم.

فجأة طلب احد الحاضرين من الجميع أن يجيبوا عن سؤال محدد وهو: هل أنت فى حزب سياسى، وإذا كنت لست عضوا، فأى حزب موجود تتمنى الانضمام إليه، أو حتى تتمنى أن يتشكل لتنضم إليه.

عشرة أشخاص من الحاضرين قالوا إنهم ليسوا أعضاء حاليين فى أى حزب. فقط الباحث السياسى قال إنه عضو فى حزب التجمع منذ سنوات طويلة، وأحد رؤساء التحرير قال إنه كان عضوا فى الحزب الناصرى وجمد عضويته، ويحلم بحزب اشتراكى ديمقراطى حقيقى على غرار ما هو موجود فى البلدان الاسكندنافية. وأصغر الحاضرات سنا قالت إنها لم ولن تنضم لأى حزب، لأنهم جميعا لا يعملون للمصلحة العامة.

النتيجة ليست مفاجأة، فعدد المصريين المنضمين لأحزاب ومقيدين فى الكشوف الانتخابية أقل من ٢.٥٪ من المصرىين. وحتى هذا الرقم يعتبر كبيرا قياسا على ما نراه!

الأرقام نفسها قد لا تعبر عن الحقيقة، مثلا ٤٢٪ من أعضاء مجلس النواب الحالى ينتمون إلى أحزاب، وهى أعلى نسبة من نوعها على الإطلاق منذ قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

نعرف جميعا أن غالبية أحزابنا كرتونية، وهى ضمت مرشحين إلى قوائها صبيحة يوم الانتخابات، بل إن الأحزاب كانت تتصارع على ضم المرشحين كما يتصارع الأهلى والزمالك على ضم بعض النجوم، وبالتالى فمن يتحدث عن انتماء حزبى حقيقى، يدرك أن الواقع ليس كذلك.

أثناء النقاش فى هذه السهرة قال البعض إن تركيبة المصريين لا تحب الأحزاب، وقال آخر إن التجربة المصرية حتى فى عهدها الليبرالى الذهبى كانت مأساوية لأن حزب الوفد الشعبى فى هذه الأيام لم يحكم إلا سبع سنوات طوال تلك الفترة منذ دستور ١٩٢٣ وحتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وحل الاحزاب فى يناير 1953. وقال ثالث إن كل الحكومات تحاصر الأحزاب وتخنقها، ولا تريد حياة سياسية تصيبها بالصداع طوال الوقت، ورد رابع بالقول إن ذلك ليس صحيحا وهى حجة الأحزاب البليدة، والدليل على ذلك أن جماعة الإخوان تعرضت لحصار مماثل ورغم ذلك تمكنت من الصمود والفوز فى انتخابات ٢٠١١، قبل أن ينقلب عليها الشعب فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

وقال رأى خامس إن خلف هذه الظاهرة كوكتيل متشابك من الأسباب يبدأ من ضعف الثقافة الحزبية، ورسوخ دور القوى العائلية والقبلية خصوصا فى الريف والصعيد. وشدة الحصار الحكومى وعدم وجود تضحيات من القوى الحزبية وغياب النخب الفاعلة.

الاستاذ الجامعى الذى كان حاضرا هو خبير دولى بالتعليم، قال ان حل معظم مشاكلنا ومنها السياسية، ربما يكون بحل مشكلة التعليم، وهو يعتقد أن هناك إمكانية لذلك خلال ٣ سنوات لو صلحت النوايا. وتقديره أن تكون الجامعة مكانا للعلم والبحث وليس للسياسة بمعناها اليومى.

قد يسأل سائل: وما الذى ذكركم بهذا الموضوع الذى يظنه البعض قد مات واندفن؟. السؤال منطقى، والإجابة هى ما بدا يتردد عن مطالب متزايدة لرئيس الجمهورية بتشكيل حزب يكون ضهيرا سياسيا له.

هذا الطلب يتردد منذ فترة ما قبل ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسى للرئاسة، وسمعت سياسيين وإعلاميين يطالبونه بهذا الأمر فى الحوارات التى كان يجريها الرئيس فى بدايات توليه الحكم، وأذكر أنه رد على هذه الطلبات بأنه لا يفكر فيها، كما أنها ضد الدستور.

يقول البعض إن المطالب عادت تتردد مرة أخرى هذه الأيام، خصوصا قبل مؤتمر شرم الشيخ المخصص للشباب وقضاياهم فى الأسبوع المقبل.

تقديرى المتواضع أن القضية لا تتعلق بوجود حزب داعم للرئيس من عدمه، لأن غالبية أعضاء البرلمان الحالى داعمون للرئيس وسياساته بالفعل.

القضية هى البيئة العامة، وغياب السياسة بمعناها التقليدى، بل إننا ربما تراجعنا عن تلك البيئة والممارسة التى كانت موجودة حتى أيام مبارك.

الموضوع أكبر وأعقد وأشمل من مجرد وجود حزب يدعم الرئيس.. الموضوع يتعلق بمستقبل السياسة فى مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى