أعمدة

عمرو حمزاوي | يكتب : دمار من السماء

عمرو-حمزاوىمنذ أيام قليلة، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان مقتل 131 مدنيا فى قرية يمنية (قرية الوهجة، وتقع قرب باب المندب) بعد أن قصفت طائرات الجيوش العربية المشاركة فى الحرب على اليمن «تجمعا بشريا» تبين فيما بعد أنه كان للاحتفال بعرس. وبالقطع، ولأن أرواح اليمنيين لا قيمة لها وسقوط آلاف المدنيين بين قتلى وجرحى لا يهتم به أحد فى الحكومات العربية التى تريد «تحرير اليمن من قبضة الشيطان الإيرانى»، لم تخرج إدانة عربية واحدة للقتل وتجاهله الرسميون العرب أو تعاملوا معه بصيغة النفى المعتادة.

منذ أيام قليلة، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» عن حدوث قصف جوى لمستشفى تديره فى مدينة قندوز الأفغانية أسفر عن سقوط 19 قتيلا على الأقل، وأكدت على أن ضحايا الغارة الجوية «التى استمرت لنحو ساعة» هم من كوادرها ومن المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج. ولأن الجهات الوحيدة التى تشن غارات جوية فى أفغانستان هى إما الدول الأعضاء فى حلف الناتو أو جيش الحكومة الأفغانية الذى سلحه الناتو، انتظرت منظمة «أطباء بلا حدود» وغيرها من منظمات الإغاثة الدولية (وبالتأكيد سكان قندوز الذين يسقط بين صفوفهم كما بين صفوف مجمل الشعب الأفغانى الضحايا دون توقف ولا يسمع لهم صوت) إعلان الناتو أو الحكومة الأفغانية تحمل مسئولية «الخطأ الفادح» والاعتذار عنه وتفسير أسبابه وتبيان إجراءات تلافيه مستقبلا. ولم يأت لا إعلان تحمل المسئولية ولا الاعتذار، وترك أمر قتل الأبرياء للتقارير الإخبارية غير المؤكدة التى ذهب معظمها إلى مسئولية الجيش الأمريكى.

منذ أيام قليلة، أعلنت الرئاسة الفرنسية عن قيام الطائرات الفرنسية المشاركة فى «التحالف الدولى ضد الإرهاب» بقصف عدد من مواقع عصابة داعش فى الأراضى السورية دون خسائر مدنية. وبعد ذلك بساعات، تحدثت تقارير المنظمات غير الحكومية السورية والعالمية عن سقوط ضحايا مدنيين من جراء الغارات الفرنسية، والإشارة المحددة كانت إلى قصف «معسكر تدريبى» لعصابة داعش فى قرية دير الزور تواجد به عدد من الأطفال والنساء. وهنا أيضا لم يختلف رد فعل المصادر الرسمية الفرنسية، الرئاسة والحكومة والعسكريين المسئولين عن الغارات، الصمت والتجاهل والنفى ومن ورائهم الاستخفاف بأرواح الناس والاستعلاء على الدماء المراقة.

هذه هى الحقائق المفزعة لاستخدام السلاح، هذه هى يوميات الحروب التى تجملها الأطراف المشاركة فيها إما بتوظيف معايير مزدوجة أو بإلقاء الاتهامات على «شيطان أكبر» تواجهه لكى تتخلص من عذابات الضمير. لا فارق هنا بين جيوش عربية تورطها حكوماتها فى حرب ظالمة على اليمن لن تسفر أبدا عن منتصرين ومهزومين وبين طائرات غربية تجول فى سماوات أفغانستان والعديد من البلدان العربية لدحر الإرهاب دون خطة عسكرية واضحة أو رؤية سياسية متماسكة، ولا فارق بينهم وبين التورط العسكرى الروسى فى سوريا والذى سيقصف قريبا بالقطع التجمع البشرى الأول أو الهدف المدنى الأول.

الجميع يستخف بالأرواح ويستبيح الدماء ويجول فى السماوات، الجميع لا يملك رؤية حقيقية لتخليص بلاد العرب وجوارها من أزماتها المتراكمة، والأمر من ذلك هو أننا شعوب هذه البلاد نملك الرؤية ونتعامى عنها ونتجاهل تطبيقها خوفا من الكلفة الباهظة لمواجهة الاستبداد والإرهاب والتطرف.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى