أعمدة

عمرو حمزاوي | يكتب : وهم الاستبداد المؤقت!

عمرو-حمزاوي

بعيدا عن طيور الظلام والمكارثيين من خدمة السلطان وعن مكارثيى الحقيقية المطلقة والصواب الخالص من معارضيه، يبرر بعض المهتمين بالشأن العام فى مصر تمرير القوانين الاستثنائية ــ كقانون الإرهاب وقانون إخضاع الهيئات الرقابية والمستقلة لسيطرة رأس السلطة التنفيذية ــ وكذلك تمرير التعديلات القانونية الاستثنائية ــ كتعديلات قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية والقوانين الناظمة للقضاء العسكرى ــ عبر ربطها الزائف بمقتضيات الحرب على الإرهاب.

يسوق هؤلاء، وهم طوائف من الكتاب والإعلاميين والأساتذة الجامعيين، مقولات متنوعة شديدة التهافت لتبرير الربط الزائف بين مقتضيات الحرب على الإرهاب وبين«تقنين الاستثناء» الذى يعصف بسيادة القانون ويمكن لتغول السلطة التنفيذية ويلغى عمل الرقابة والمساءلة والمحاسبة على قرارات وممارسات رأسها ويؤسس لاعتيادية المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات ولاعتيادية إفلات المؤسسات والأجهزة الرسمية التابعة للسلطة التنفيذية من العقاب حين التورط فى الظلم والانتهاكات.

من مقولاتهم المتهافتة، على سبيل المثال، ادعاء أن التخلص من الإرهاب ومن إجرام عصاباته يستدعى إطلاق الآلة الأمنية والاستخباراتية على المواطن وإخضاع المجتمع لقبضتها الحديدية وتحرير فعلها من«صداع» حقوق الإنسان والحريات والمنظمات المدافعة عن سيادة القانون وضمانات التقاضى العادل. يدعون ذلك، بينما المواجهات الناجحة للإرهاب وعصاباته تأتى بها سياسات أمنية واقتصادية واجتماعية وتنموية لسلطة تنفيذية ملتزمة بالأطر الدستورية والقانونية، ويأتى بها الفعل العاقل للمؤسسات والأجهزة الأمنية التى تراقب بجدية من قبل السلطة القضائية والسلطة التشريعية والهيئات الرقابية الممتعة بالاستقلالية.

يزعمون أيضا، لتقديم مثال إضافى على مقولاتهم المتهافتة، أن أغلبية المصريات والمصريين مهمومة بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وظروفها المعيشية ومهمومة أكثر ببقاء الدولة والحفاظ على أمنها القومى وغير عابئة أبدا بالمظالم والانتهاكات «القليلة» التى تطول حقوق البعض وحرياتهم لأن التخلص من الإرهاب وعصاباته وأعوانهم أولوية وطنية. يزعمون ذلك، بينما الأمر المؤكد هو أن قطاعات مؤثرة من المصريات والمصريين تتحرر يوميا من هيستيريا العقاب الجماعى والمبررات الفاشية للظلم والانتهاك التى يروج لها خدمة السلطان باستمرار وتفقد فاعليتها فى تزييف الوعى باستمرار، وتعود إلى التزام مقومات الضمير والعقل والفعل الرشيد وقيم العدل التى ترفض نزع الإنسانية عن معارضى الحكم الراهن، وتستعيد ذاكرة مقت القتل والتصفية خارج القانون والتعذيب والعقوبات الظالمة والانتهاكات الأخرى التى تنزلها بهم السلطة التنفيذية عبر توظيف تغولها على السلطتين القضائية والتشريعية، وتدرك أن تراكم القمع واتساع نطاقه دليل ضعف الحاكم وفساد منطق الحكم.

يدفعون، على صعيد ثالث ولتقديم مثال إضافى لا يقل تهافتا عن سابقيه ولا يقل خطورة فى تبرير تقنين الاستثناء، بالمحدودية الزمنية المتوقعة لتطبيق القوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية وبكونها ستنقضى «حتما» ما أن تنتهى الحرب على الإرهاب وتعود «أغلبية المصريات والمصريين» إلى الاهتمام بقضايا الحقوق والحريات. هم هنا يبررون لتقنين الاستثناء «بحالة الاستثناء» التى يرون مصر تمر بها، ويدعون رسوخ اهتمامهم بقضايا الحقوق والحريات التى تؤجل «فقط» لكى ينتصر الوطن فى معركته ثم يستفيق لتحديات الديمقراطية والتنمية والبناء.

يدفعون بذلك، بينما الخبرة المصرية تثبت تهافت مقولات السلطوية المؤقتة والخطأ الكارثى الذى يتورط به كل من يروج لكون إغراق الوطن فى القوانين الاستثنائية والتمكين لتغول السلطة التنفيذية وإطلاق الآلة الأمنية والاستخباراتية على المواطن والمجتمع يسهل التخلص منه بعد انقضاء «حالة الاستثناء» فالسلطوية معنا منذ خمسينيات القرن العشرين، والقوانين الاستثنائية لم تتراجع أبدا، وحالة الاستثناء المزعومة وظفت مرارا لتمرير فرض الطوارئ وتبرير المظالم والانتهاكات التى تضر بتماسك الدولة وتماسك مؤسساتها وأجهزتها أكثر من الإجرام الإرهابى، والاستبداد المؤيد من قطاعات شعبية واسعة يصعب للغاية التراجع عنه ﻷن الحكم يستسيغه ثم يعتاده ثم لا يعرف له بديلا حتى عندما ينهار التأييد الشعبى. فما بالنا بمن يمثل الاستبداد والسلطوية الخلفيتين الوحيدتين لمن سبقوه فى الحكم، والإطارين الوحيدين لإدارته للمنصب والدور.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى