فتحت باب الشقة خارجًا فوجدت على الأرض كعب إيصال الكهرباء، كان باسم جارى الذى باع شقته منذ سنوات قليلة لسمسار فى المنطقة كان يؤجرها كقاعة احتفالات صغيرة لأبناء المنطقة أو لبعض الأسر الخليجية، أصبحت هذه الشقة مصدرًا للإزعاج بعد أن كانت مصدرًا للطمأنينة بوجود جار يراعى مشاعر من هم حوله، ولا يتردد فى مساعدتهم إذا لزم الأمر بصفته لواء جيش سابقًا.
يوم أن رحل جارى عن شقته كان يومًا كئيبًا، عدت فوجدته يجمع أشياءه ويودع الجيران بهدوئه المعتاد، تمنى له الجميع حياة جميلة فى مكان آخر، وإن أبدوا حزنهم على رحيل جار يندر وجوده هذه الأيام، فى الليلة نفسها وبعد رحيله بساعات شب فى العمارة حريق هائل، كأن الجدران أبت ألا تشاركنا حزننا.
تأملت وصل الكهرباء واندهشت، لأن السمسار لم ينقل ملكية الشقة باسمه، فسرت الأمر بتخوف السمسار من مساءلة حكومية ما، خاصة أنه شخص مريب بدرجة كبيرة. فرحت بالوصل الذى يحمل اسم شخص أحبه ويذكرنى به فى بداية اليوم، اكتشفت أننى لم أهاتف هذا الرجل منذ رحل، بل اكتشفت أننى لم أفكر يومًا فى الاحتفاظ برقم هاتفه لكونه متاحًا أمامى طوال الوقت. سار اليوم على أكمل وجه، أنجزت مشاوير مؤجلة وتناولت الغداء مع أشخاص أحبهم وتوجهت لزيارة قريب هاتفنى معلنًا افتقاده لى، كانت مشاعرنا متبادلة فذهبت إليه وشاهدنا مباراة المنتخب فى بيته، حكيت له القصة فقال لى إنها علامة، وافقت على ما قاله وإن فشلت فى تحديد ما تشير إليه. عند باب عمارته التقيت بجارى القديم يخرج من صيدلية، صعقتنى المفاجأة وتوجهت ناحيته وأنا كلى افتقاد له وكلى إيمان بأن العلامة على وشك أن تُفسر، كان سلام جارى باردًا للغاية، أرخت المفاجأة أحبالى الصوتية فخرجت منى همهمة مرتبكة، قطعَتها امرأة غريبة اقتربَتْ من جارى وسحبته من ذراعه لينصرفا بعد استئذان مقتضب مرفق به نصف ابتسامة.
عدت إلى بيتى وفى الأسانسير التقيت بالسمسار، أعطيته كعب الوصل فشكرنى بحرارة، وقفت أنظر إلى نفسى فى المرآة، رأيت السمسار ينظر ناحيتى فى المرآة ويسألنى بثقة (حضرتك مابتفكرش تبيع شقتك؟).
تابع الشرقية توداي على جوجل نيوز 
