أعمدةمقالات

فهمي هويدي | يكتب : أنظمتنا هي المختلفة

فهمي هويدي بوستر
فشلت فى أن أجد تفسيرا بريئا للادعاء بأن معاييرنا فى الديمقراطية وحقوق الإنسان تختلف فى مصر عنها فى أوروبا، ولا أكتمك أننى فى رحلة البحث عن ذلك التفسير ظللت طول الوقت أعانى من الشعور بالمهانة والخجل. مصدر الإهانة أن المقولة تنتقص من قدرنا كبشر ومن خبراتنا فى التاريخ. أما مصدر الخجل فإن ذلك الانتقاص صدر عمن تحدث باسم الدولة أمام ضيوفه الأجانب.
أول ما خطر لى فى رحلة البحث السؤال التالى: ما هى أوجه الاختلاف بيننا وبين الأوروبيين فى معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وهل يكمن الاختلاف فى المعايير ذاتها أم أنها فى ثقافة المجتمعات أم أنها فى طبيعة البشر و«جيناتهم»؟. وأنا أقلب الأمر تذكرت الجدل حول الديمقراطية الذى ثار فى أوساط بعض السلفيين فى أعقاب صدور كتاب لى كان عنوانه «للإسلام والديمقراطية»، ذلك أن نفرا منهم قال أن الديمقراطية تعنى حكم الشعب وهى عند المسلمين حكم الله وأمره، وآخرون تحدثوا عن التحلل الأخلاقى الذى شاع فى المجتمعات الديمقراطية، والذى بلغ ذروته بإباحة الشذوذ الجنسى الذى يسمى تأدبا زواج المثليين. وكان تفنيد الحجة الأولى ميسورا لأن كون الشريعة مصدر القانون لا يتعارض ولا يلغى كون الشعب مصدر السلطات، إلا أننى لم أستطع أن أمنع نفسى من تسخيف الحجة الثانية، ليس فقط لأن الانحراف والتفلت باختلاف صورهما تواجدا فى المجتمعات الإسلامية عبر تاريخها، ولكن لأن الذين لم يروا فى الديمقراطية سوى أنها سمحت بالشذوذ الجنسى، عجزوا أو تجاهلوا فضائلها الكبرى التى يعد الشذوذ إلى جانبها رذيلة هامشية لا تصلح معيارا للحكم على الديمقراطية.
وإذ أرجو ألا تكون حكاية الديمقراطية والشذوذ من بين مسوغات الادعاء بأن معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان المعروفة فى الغرب لا تصلح لنا، فإن التساؤل حول نقاط الاختلاف المشار إليها يظل واردا وملحا.
إننى أفهم الديمقراطية بحسبانها آلية توفر للناس حق المشاركة والمساءلة وتداول السلطة. أدرى أن ثمة انتقادات عدة لها درسناها فى السنة الأولى بكلية الحقوق، لكنها على سوءاتها أثبتت كفاءتها فى إدارة المجتمعات الغربية التى لم تجد إطارا أفضل منها. وأفهم حقوق الإنسان باعتبارها تتبنى مجموعة من القيم التى تدافع عن كرامة الإنسان وحريته، وبالتالى فليست هناك تحفظات جوهرية على أى منهما. وأضع خطا تحت كلمة «جوهرية» لأن بعض التفاصيل المحدودة تحتاج إلى مراجعة وضبط من جانبنا.
ثمة عامل آخر لا نستطيع إسقاطه ونحن نفكر فى الموضوع، يتلخص فى أن الديمقراطية ليست اختراعا غريبا أو عجيبا يثير فضول المصريين وحيرتهم. ذلك أن مصر خبرت تطبيقا لممارسة الديمقراطية استمر نحو ثلاثين عاما فى ظل الحكم الملكى. وقد درج بالباحثون على تصنيف السنوات التى أعقبت صدور دستور ١٩٢٣ وحتى قيام الثورة فى عام ١٩٥٢ باعتبارها تمثل «المرحلة الليبرالية» فى التاريخ المصرى المعاصر.
أما مسألة مبادئ حقوق الإنسان فلا أعرف أناسا مؤهلين للتعامل معها وآخرين غير جديرين بها ولا يستحقونها، وأزعم فى هذا الصدد أننا أولى بها من غيرنا، على الأقل لأن موروثنا الثقافى قرر تلك الحقوق وضمنها حين لم تكن قد خطرت على عقل بشر. يشهد بذلك النص القرآنى «ولقد كرمنا بنى آدم»، الذى أطلق الوصف على كل البشر دون تفرقة من جنس أو دين. وذهب الشيخ محمد الغزالى رحمه الله فى الحفاوة بتلك الكرامة إلى القول بأن حصانة الإنسان مستمدة من كونه ذا «نسب إلهى»، لأن النص القرآنى يتحدث عن أن الله خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه. ومن ثم اعتبر أن المساس بكرامة الإنسان بمثابة عدوان على حق الله فيه.
كيف يقال والأمر كذلك ان معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان فى أوروبا مختلفة عنها فى بلادنا؟ ــ اعتبر السؤال استنكاريا وليس استفهاميا، وفى التعقيب عليه أفسر الادعاء بأحد احتمالات ثلاثة: إما أن تكون حكومتنا لا تريد الالتزام بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان وتتعلل بالاختلاف لاستبعادهما، أو أنها ترى أن شعبنا لا يستحق العيش فى ظلهما. الاحتمال الثالث الذى أراه ضعيفا يفترض حسن النية فى السلطة الأمر الذى يجعلها عاجزة عن إدراك معنى الديمقراطية أو حقوق الإنسان.
أضع الاحتمالات الثلاثة بين يديك، لتختار أيها أرجح وأقرب إلى التصديق. وأيا كان اختيارك فإن ذلك لا يغير شيئا من اعتبار الادعاء مهينا لمصر والمصريين ومخجلا أيضا، الأمر الذى يدعونى إلى القول بأن المختلف حقا عن أوروبا هو أنظمتنا وحكوماتنا ذاتها وليست القيم المشار إليها.
 المصدر

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى