أعمدةمقالات

محمود مطر | يكتب: الحنين إلي ليالي الشتاء المفقودة

محمود مطر
محمود مطر

 

كعادته لا يحب إلا الشتاء لا يندمج سوي مع تساقط المطر وملابسه الثقيلة يراه أجمل الفصول وأفضلها يجلس بالليل أمام نافذته يشاهد تساقط المطر ينتعش بالهواء البارد يحتسي فنجان قهوته ويدخن سيجارته تعود به الذكريات إلي أمور يستحل أن ينساها هو دائما هكذا ينتظر قدوم الشتاء كطفل يبكي بكاء شديدا لأن أمه تركته لبعض الوقت فلما عادت تبدلت الأحوال وأصبح سعيدا ضاحكا هكذا هو مع الشتاء هو أيضا لا يستطع تحمل الصيف يكرهه مثلي تماما بل ويستخف من أصدقائه الذين يحبون الصيف يراهم حمقي فمن الذي يحب الصيف بروائحه وحشراته وحره وشمسه الحارقة كان يخبرني أنه يراهم لا فائدة منهم أبدا سيظلوا هكذا حمقي .

يودعنا فصل الخريف بعدما أهلك الشجر ونزع عنها أوراقها وجمالها وحولها من خضراء مبهجة المنظر إلي صفراء لا جمال لها تسوء الناظرين إليها تنتظر قدوم الشتاء حتي تستعيد هي الإخري رونقها وجمالها هي مثلنا تماما تنتظر الشتاء حيث مازال صوت فيروز يرافقني في كل أمسيات الشتاء تناجي حبيبها الغائب وتتمني عودته فالشتاء يزحف علي سمائنا زحف الحب علي القلب يلاطفه أحيانا ويحرك فيه أعصار من العواطف إحترقت خلال الصيف .
إن الشتاء يأتي حاملا الأمطار المعبئة بكل مشاعر الحنين والحب التي تملئ القلوب بالأشواق والذكريات الجميلة ورغم الهدوء الذي يسود ليالي الشتاء تجد قلبك ملئ بالضجيج محملا بكل همومك وأحزانك لا تسمع وقتها سوي دقات هطول الأمطار فيكون المشهد وقتها عبقريا بين قسوة البرد والأحزان مشهد لا يكتمل سوي ببعض الهذيان .

في الشتاء تحاول جميع الكائنات الحية التكيف مع الجو المحيط بها فالبشر يسارعون في ارتداء الملابس الثقيلة واستخدام كل وسيلة تساعد علي التدفئة أما الحيوانات فهناك من يهاجر الي الأماكن الأكثر دفئا وهناك من يقوم بعمل البيات الشتوي وتخزين الأطعمة او الإختباء في الجحور بكل بساطة الكل من بشر وحيوانات يتكيف كلا حسب طريقته وملائمته كلا يتفنن في إظهار حبه وقدرته علي الإحتفال بأجواء مميزة ينتظرونها كثيرا فالشاعرالعراقي علي حسن الفواز يرى إن الشتاء زمن للكثافة تتلجلج فيه الأشتاء ويتحول فيه الكلام إلى نسيج ممدود بالحلم والأنتظار والأيحاء .

لا تزال الحياة مستمرّةً والأمل موجوداً ما زالت تلك القطرات تتساقط وتدق نافذتك بكل لطف واشتياق فتذهب لتراها عن قرب وتقف أمام النافذة تراقب روعة المطر فيعلو علي وجهك الابتسامة وتنسى همومك وأحزانك ولو لدقائق بسيطة سيأتيك الحنين إلى كل شي إلى طفولتك وإلى تلك السنوات التي مَضت مِن عمرك وتحن إلى قلوب افتقدتها وأحاسيس ومشاعر فقدتها وتغمض عينك وتسترجع شريط أحلامك بحب وقتها فقط تنسى كل ما بقلبك مِن نقاط سوداء عندما ترى نقاء المطر تذكّر كل صفاتك الجميلة التي نسيتها بالفعل يا له من شعور لا يحدث إلا في الشتاء وفقط لذلك أحب فصل الشتاء كثيرا لأنه عندما يهطل المطر يزيل الألوان عن الوجوه فيعود كل شئ لأصله دون تكلف أو تصنع أو ..

لا أزال أمارس هوايتي في الشتاء وهي النزول في الشارع عندما تمطر لا يزال الطفل في داخلي يلهو وينتظر الشتاء لا تزال الأماني والأحلام جميلة ولا يزال هو يقول علي أصدقائه محبي الصيف حمقي ومازالت أنا أعشق الكتابة في أجواء الشتاء وماتزال سجائري وقهوتي في انتظار الشتاء ولا تزال نافذتي تتلهف علي تجمعنا مرة أخري في الشتاء .

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى