مقالات القراء

محمود مطر| يكتب: رحلة مصغرة إلى الفردوس المفقود «سقوط غرناطة»

محمود مطر
محمود مطر

كعادته ليلاً يشعل سيجارته ويقوم بالبحث في كتب التاريخ لعله يروي ظمأه ويصل إلى معلومة ترضيه في كل الكتب التي قرأها كان يجد بها شئ مثير لأن التاريخ يمتلئ بالحوادث والأحداث المثيرة دائما حتي أخبره صديقه أنه سوف يبحث عن الفردوس المفقود من زمن بعيد وأنه الأن بدأ بجمع الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الفردوس المفقود لقد كان يعتقد أن صديقه يتحدث عن كنز ربما في أعماق البحار او المحيطات لكنه فؤجي عندما وجد أن صديقه يتحدث عن دولة الأندلس وكان هذا مثير لعقله فبدء هو الأخر في جمع الكتب والابحاث ومواقع الانترنت التي تتحدث عن قصة الفردوس المفقود وأغلق غرفته وبدء في رحلته الخاصة لعله يكتشف ما يريح عقله .

في هذه الرحلة لن نتكلم عن الاندلس بل سنتحدث عن مملكة حافظت علي الوجود الاسلامي لمدة قرنين من الزمان وكانت أخر قلاع الاسلام في الاندلس فسقوطها أنهي أي وجود للاسلام في الاندلس نهائيا ففى 2 يناير من عام 1492م سلّم الملك أبوعبد الله الصغير مفاتيح هذه المدينة للملكين الكاثوليكيين “إيزابيلاّ وفيرناندو” من هنا تبدء الرحلة وتبدء قصة مدينة صمدت كثيرا وكانت منارة للعلم وسنلقي الضوء أيضا علي مأساة آخر ملوك دولة بني الأحمر السّلطان أبي عبد الله الصغير.

تأسست امارة غرناطة علي يد ابن الأحمر عام 1238م بعد معركة العقاب وسقوط دولة الموحدين وقد دخلها ابن الاحمر بعدما دعاه أهل غرناطة بعد موت ابن هود الملقب بالمتوكل علي الله والذي كان قد خرج علي حكم دولة الموحدين وحكم المدينة لمدة 9 سنوات كانت تتميز غرناطة بموقعها الجغرافي المتميز الذي مكنها من الدفاع ضد أي اعتداء وصد الحملات التي جهزت للقضاء عليها لقد كانت غرناطة تمثل الملجأ الوحيد للمسلمين الفاريين من الحروب التي سميت بحروب الاسترداد وهو اسم وهمي من وجهة نظري فكيف تقنعني أن استرجاع مدينة او استردادها يمكن ان يدوم 8 قرون من الزمان في حين أنه في عام 1808 م حينما قامت فرنسا بغزو أسبانيا دامت حرب الاسترداد او الاستقلال 5 سنوات فقط أيضا لابد لك ان تعلم ان اللغة الاسبانية هي مزيج من اللاتينية والعربية كل هذا ينفي فكرة حروب الاسترداد التي اطلقت وقتها لأن الاندلس أصبحت منارة للعلم والعلماء ووصلت بها العلوم الي مراحل متقدمة جدا حتي كانت الاندلس قبلة المقبلين علي دراسة العلوم في كل المجالات من اوربا حتي أن أحدهم عندما كان يتحدث ببعض الجمل العربية بعدما يعود من رحلته يعتبر من أنواع الفخر والاعتزاز ولك ان تتخيل ان مكتبة قصر الحمراء كان بها 600000 الف مجلد في كل المجالات العلمية والادبية أحرقها أسقف طليطلة (الكاردينال سيسنيروس) عام 1501 في مكان يسمّى (باب الرّملة ) بمدينة غرناطة فضاع للأبد العديد من الوثائق والمخطوطات وأمّهات الكتب التي أبدعها علماء أجلاّء في مختلف فروع المعارف في الأندلس.

لقد عاشت غرناطة عهود من السلام بسبب الحرب بين الممالك الأخري في الاندلس كما كانت لمساعدات أمراء المغرب ( بني مرين ) سبباً في صمود المدينة لمدهم غرناطة بالجنود والسلاح لمواجهة جميع التحديات التي تتعرض لها لكن بعد انتهاء الحرب الأهلية في قشتالة واعتلاء ايزابيلا الاولى علي العرش وتحالفها مع فريناند اصبحت الظروف مهيئة للاستيلاء علي غرناطة تحت مسمي حرب الاسترداد بعدما ضربت غرناطة الحرب الاهلية ووصل الصراع الداخلي بين الامراء الي قوته وساءت احوال الاقتصاد بسبب الحصار الذي فرض عليها وبعدما فقد المسلمون كل الممالك التي كانت حول غرناطة تركوها وحيدة تعاني وأصبحت محاصرة من كل الجهات وفي عام 1491 م تم التخلص من سور غرناطة وبناء معسكر ليشتد الحصار أكثر وأكثر حتي استسلم ملك غرناطة في 1492 م لينهي وجود سلسلة عائلته بنو الأحمر بعدما حكموا غرناطة لمدة 250 عاما لقد كان الملك ابي عبدالله الصغير محيرا فهناك من نصفه وقال أنه جاهد الاسبان قد المستطاع بل إن اتفاقه مع الاسبان لتسليم المدينة كان بمفاوضات صعبة وعسيرة وكان حريص علي أهل غرناطة وقد أتي الانصاف من المؤرخين الاسبان الإ أن المؤرخين العرب يلقون عليه باللوم ويعتبروه متخاذلا جبانا بسبب سوء أعماله وفساد رأيه الذي في رأيهم عجل بسقوط اخر قلاع المسلمين في الفردوس المفقود ودليلهم علي كلمات أمه عندما رأته يبكي وهو يودع المدينة وقالت له ” إبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال”.

السؤال المحير هنا في الحقيقة هل ظلم ابي عبد الله الصغير حينما ورث مملكة غرناطة بكل مشاكلها وأنها كانت ستقع سواء في عهده أو عهد أخر وذلك بسبب التحالفات التي كانت ضدها أم أنه لم يظلم ولكن لم يكن قائد محنك وسياسي بارع يستطيع أن يمر ويدافع عن المدينة كونها أخر أمل وأخر ما تبقي للمسلمين هناك ؟! إن إجابة السؤال تتطلب المزيد من البحث والتعمق وقراءة التاريخ بشكل صحيح وقراءة ما بين السطور حتي تستطيع ان تحكم.

لقد كانت النهاية هنا بسقوط غرناطة ومعها انتهي الوجود الاسلامي في الاندلس نهائيا وبدأت عصور محاكم التفتيش التي قضت هي الأخري علي أي وجود اسلامي او لمحات عربية وأنهي هذا المقال ببيت الشعر للشاعر ابو البقاء الرندي في رثاء الاندلس :

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى