تقارير و تحقيقاتسلايد

مدرسة مصرية بالجزائر أنشأها عبد الناصر وتخرج منها الآلاف من 14 دولة

1

 

لم يكن يدور بخلد السفير على خشبة- أول سفير لمصر لدى الجزائر بعد استقلالها، وهو يوقع عقد شراء مقر “المدرسة المصرية” بالعاصمة الجزائرية فى 16 أغسطس عام 1962 ، بأوامر من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر- شيئان؛ أحدهما أن أحد أبناء المدرسة ممن تلقوا تعليمهم فيها سوف يصبح سفيرا لمصر لدى الجزائر من 2003 إلى 2007، وهو السفير أحمد ماهر عباس الذى كان مرافقا لوالده المصرى الذى كان يعمل بالجزائر فى أوائل السبعينات، وثانيا أن أحد المدرسين المصريين سوف يظل يعمل بالمدرسة لأكثر من 42 عاما، وهو الأستاذ سميح السيد إبراهيم مديرها حاليا وعميد الجالية المصرية.

 

فعلى مدار ما يقرب من 50 عاما تخرج من “المدرسة المصرية” بالعاصمة الجزائرية وفرعيها بولايتى قسنطينة ووهران الآلاف من الجزائريين ورعايا من 14 دولة عربية وأجنبية على مدار 50 عاما، وأصبح الكثيرون منهم الآن يتولون مراكز قيادية فى مختلف المجالات.

 

ويظهر عقد شراء مبنى المدرسة- الذى اطلع عليه مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بالجزائر- أن السفير المصرى الراحل على خشبة قام يوم 16 أغسطس عام 1962 – أى بعد مرور ما يقرب من 41 يوما فقط من استقلال الجزائر- بتوقيع العقد مع الفرنسى “دياز أرنست” وزوجته “نوسا ريمون مارى روز” داخل فندق “لاليتى” بوسط العاصمة لشراء مبنى فى 8 شارع “الساحل” بمنطقة حيدرة الراقية بالعاصمة.. ويتألف المبنى من طابق أرضى ودورين يضم 13 فصلا لجميع المراحل التعليمية الثلاثة بالإضافة إلى المخازن والمعامل والمكاتب الإدارية، مقابل خمسة آلاف وأربعمائة وستين فرنك فرنسى حينذاك .

 

وقد تولى إدارة المدرسة منذ افتتاحها رسميا فى عام 1964 وحتى الآن 12 مديرا أطولهم بقاء الأستاذ سميح السيد الذى تولى منصب مدير المدرسة من عام 2006 وحتى الآن .

 

كما تظهر سجلات المدرسة المصرية بالجزائر أن عدد الطلاب الدارسين فيها منذ افتتاحها 1964 بلغ 800 طالب سنويا، بين منتظم ومنتسبظ، موزعين فى المقر الرئيسى بالعاصمة وفرعى مدينتى قسنطينة ووهران، وذلك بمقتضى اتفاقية تم توقيعها بين مصر والجزائر تسمح بتدريس المناهج المصرية فى هذه المدرسة، إلا أنه فى عام 1983 تم إغلاق فرعى مدينتى قسنطينة ووهران، بسبب انتهاء إعارات المدرسين المصريين.. وفى عام 2006 ألغيت الاتفاقية الموقعة بين البلدين مما أدى إلى انخفاض عدد الدارسين فى المقر الرئيسى.

 

وتعد رحلة الأستاذ سميح السيد- 75 عاما من أبناء محافظة المنوفية – المدير الحالى للمدرسة وعميد الجالية المصرية على مدار 42 عاما تجسيدا لقصة كفاح طويلة لمعلم مصرى نجح خلالها فى حفر مكانة مرموقة بين الأوساط الشعبية والرسمية فى الجزائر، ولاسيما أنه عاصر تخرج آلاف الدفعات من أبناء الجزائر منذ السنوات الأولى للاستقلال، وبالموازاة مع ذلك كسب حب واحترام أفراد الجالية المصرية، حيث أصبح على كل مصرى تطأ قدماه الجزائر أن يسعى إلى التعرف على الأستاذ سميح من أجل أخذ النصائح منه واكتساب خبرته الطويلة .

 

ويؤكد عميد الجالية المصرية أنه على مدى أكثر من أربعة عقود عاشها فى بلد المليون ونصف المليون شهيد، أحب خلالها الشعب الجزائرى إلى حد العشق وتعايش مع سلبياته وإيجابياته التى جعلته متميزا ويختلف عن باقى المجتمعات، كما نجح ” العميد ” فى كسب ود علاقات عمل أو صدقة ما تزال قائمة حتى اليوم وظهر تعايش مع المجتمع الجزائرى بوضوح من خلال شبكة العلاقات المهمة التى صنعها مع كبار الشخصيات والمسئولين والمثقفين وحتى العائلات الفقيرة والبسيطة التى يقضى أغلب أوقاته بين أفرادها سواء فى ضيافتهم أو منزلة الكائن بضاحية  “باب الوادى” أعرق وأشهر الأحياء الشعبية فى العاصمة والذى كان يعد من الأحياء التى شهدت وقوع العديد من العلميات الإرهابية خلال فى التسعينات كما أن الحى عانى من كارثة السيول التى شهدتها العاصمة فى 10 نوفمبر من عام 2001.

 

وقد ارتبطت رحلة الأستاذ سميح وعائلته بمرحلة الاستقلال من نير أبشع استعمار جثم على أنفاس هذا البلد 130 عامًا وتمثلت مهمته إلى جانب أكثر من 70 ألف مدرس مصرى فى المساهمة بتعريب جيل الاستقلال، بعد أن تعمد الاستعمار طمس هوية الشعب الجزائرى العربية والإسلامية، وحاول أن يغذى أفكارهم بالثقافة الفرنسية، وبعد أن انتهت مهمة المدرسين المصريين عاد أغلبهم إلى بلادهم بعد قرار الرئيس الجزائرى الأسبق الشاذلى بن جديد عام 1983 بإحلال المدرسين الجزائريين مكان نظرائهم المصريين أو ما يعرف باسم “جزأرة ” البلاد .

 

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى