مصطفى حجازي | يكتب : مصر بين أشباه القضايا وأشباه الحلول..!

Alaaيونيو 13, 2016 - 11:26

3 دقائق

فى أيام ستبقى عنواناً للكرامة فى تاريخ مصر الحديث.. وهى أيام حرب الاستنزاف.. خاضت مصر «المواطن» صراعاً ملحمياً ليس فقط لاسترداد الأرض، ولكن لرفض أن تحيا حياة دون الحياة..!

كانت ملحمة بناء حائط الصواريخ على طول خط القنال للدفاع عن العمق المصرى من غارات الإهانة وكسر الإرادة الإسرائيلية هى عنوانها البارز.. لم يكن فقط عنواناً للإرادة المصرية ولكن للعقل المصرى الذى وعى سقطته وما أدى إليها..!

العقل الذى وعى أن زيف التمنى والادعاء لا يبنى واقعاً.. وأن أشباه الحقائق لن تقيم حياة لبشر مهما تدثرت بسطوة أو بسلطان..!

ومن المفارقات أن هذا العقل كان يَزِن وبدقة الفارق بين قيمة ودور حائط «هيكلى» للصواريخ يُراد به تضليل العدو واستنزاف غاراته.. وبين حائط حقيقى للصواريخ قيمته ليست فقط فى وجوده ولكن فى دقة موقعه وقدرة تدميره ومدى استهدافه لطائرات المحتل..!

كان هذا العقل يعرف أنه أمام معركة مصير وبقاء.. فلم يسمح لنفسه بأن يلتبس عليه الفارق بين «حقيقة الشبه» فى استخدام الحائط الهيكلى للتدليس على العدو.. وبين أن يختلط عليه هو نفسه الأمر، فيظن فى تلك الهياكل حقيقة أو «شِبه حقيقة».. فيرجو فيها ومنها حماية أو ردعاً.. أو دفاعاً عن الأرض والعرض..!

فى لحظات الحقيقة.. لا مجال للخلط بين «حقيقة الشبه» و«شِبه الحقيقة»..!

فى لحظات المصير.. لا مجال لأشباه القضايا ولا لأشباه الحلول.. ولا لأشباه المعارك ولا لشبه القتال..!

وكما وعى العقلاء والكبار ممن سبقونا فى لحظة حقيقة مُرة من تاريخنا بعد هزيمة 1967، فبحثوا فى أصل القضايا لكى يعملوا عليها ولم يستنيموا لزيف الادعاء ولم يستعينوا بالأشباه ولم يقبلوا بها.. آن لنا أن نبحث ونعى.. ما جوهر قضايانا المصيرية وأصل ظاهر أزماتنا..!

ما التحدى الحقيقى لأمننا القومى..؟! فى موارد قد تنقص أم فى عدو متآمر..؟! أم فى معنى وطن يَغْرُب فى نفوس بعض أبنائه..؟!

ما حقيقة مشكلة التعليم عندنا.. فى مبان غائبة أم فى فلسفة غائبة..؟! أم فى مُعلم متراجع..؟! أم فى متعلم مُعرِض وأسرة مكتفية بصك التعلم عن حقيقة التعلم..؟! أم فينا كلنا وقد اكتفينا بشبه الحقيقة فى تعليم هيكلى..؟!

ما طبيعة مأساة المجتمع والدولة والنظام والسلطة مع الشباب والرأى المغاير وكل غير المألوف حتى وإن كان صواباً..؟!

وما جوهر تلك الجفوة مع العلم والعقل والأهلية..؟! وما حقيقة ذلك الإصرار على قبول المجتمع بالمسخ والاكتفاء بلعنِه..!

حتى فى أزماتنا المزمنة- وإن بدت عابرة- ما القضية الأساسية فى المواجهة بين الأطباء والداخلية.. هل هى الانتصار لعدل غائب فى منظومة صحية بالية.. أم هى تنادٍ على كرامة مفتقدة فى أركان تلك المنظومة.. من كرامة مريض مهدرة وكرامة طبيب يساوم عليها وكرامة طاقم طبى.. أم هى سجال بين قطاعات مجتمع «يتيم» فى دولته..؟!

وبمثلها ذلك الصدام بين الجماعة الصحفية والداخلية.. هل هو أحد تجليات المجتمع يتيم الدولة؟!.. أم أن الحرية الواعية لذلك المجتمع هى ما يُراد قهره..؟!

آن لنا أن نقرر على أى قاعدة نقيم مجتمعنا..؟!

على الخوف من القمع أم على الخوف من القانون..؟!

الخوف من القمع يبنى اعوجاجاً.. ويفسد نفوساً.. لأن الخوف من القمع هو الخوف من المستبد.. والمخرج منه ممالأة المستبد.. أما الخوف من القانون فهو درء لشبهة العقاب وحفظ للكرامة.. والمخرج منه الالتزام على جادة النظام العام.

الخوف من القمع تربية والخوف من القانون تربية أخرى..

الخوف من القانون تنشئة لأحرار.. الخوف من القمع تهيئة لعبيد مرتزقة ومسخ لإنسانيتهم..!!

آن لنا أن نعلن على أى عَقد نقيم حياة ذلك المجتمع..؟!.. على عقد اجتماعى مُدون فى دستور ومكفول فى مؤسسات ترعاه.. أم على مسوغات إذعان ومبررات احتكار ثروة وسلطة..!

وأخيراً آن لنا أن نعى أننا..

لن نستطيع أن نبنى شبه مستقبل.. بشبه حلم..

ولا أن نقيم شبه دولة بشبه مجتمع..

ولا أن نحقق شبه إبداع بأشباه عقول..

ولا أن نحرز شبه نصر على شبه عدو..

ولا أن نحقق شبه مجد من شبه علو..

ولا حتى أن نحرز شبه فشل من شبه جهل..

لن نؤلم بشبه ألم من شبه جرح..

ولن نداوى شبه داء بشبه دواء..

لن نؤتَى شبه السكينة من شبه الورع..

ولن نؤتَى شبه اليقين بشبه الصدق..

لن نصل حتى إلى شِبه الرقى.. بشبه الترقى..!