تقارير و تحقيقات

مفاجأة.. وزير النقل يتباهى بخطة تطوير المزلقانات الموضوعة منذ عام 2006..كل المزلقانات التى افتتحها “عبداللطيف” بدأ العمل فى تطويرها منذ بداية 2007 واستغلها للدعاية لنفسه باعتبارها أحد إنجازاته

وزير النقل يتباهى بخطة تطوير المزلقانات الموضوعة منذ عام 2006
تحقيق | رضا حبيشى

 

رغم أن هيئة السكك الحديدية لم تتمكن من تطوير سوى 51 مزلقانا من إجمالى 1332 موزعة على مستوى الجمهورية، فإن وزير النقل الحالى، الدكتور حاتم عبداللطيف، لا يكف عن إطلاق تصريحات اعتاد إطلاقها سابقوه، الذين توافدوا على منصبه بالوزارة، يتباهى بإنجازاته بخطة تطوير المزلقانات، التى تم وضعها بعد حادث قطار قليوب فى بداية 2006، وعقب كل حادث قطار يسارع الوزير بإطلاق الوعود والتصريحات بتطوير مزلقانات السكة الحديد، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الوعود بمرور الوقت على الحادث، وهو ما فعله وزير النقل الإخوانى حاتم عبداللطيف، بعد حادث قطار البدرشين الذى راح ضحيته 19 مجندا و119 مصابا آخرين.

حيث شرع الوزير سيرا على خطى من سبقوه، فى إطلاق الوعود والتصريحات عن تطوير المزلقانات معتمدا على الخطة الموضوعة منذ نهاية 2006، محاولا إعطاء انطباع للرأى العام بأنه هو من وضع هذه الخطة بعد الحادث، لدرجة أن كل مزلقان تم الانتهاء من تطويره بعد حادث البدرشين، كان يذهب لافتتاحه ويشرع أثناء افتتاح المزلقان فى إطلاق الوعود، رغم أن كل المزلقانات التى افتتحها هذا الوزير، تم بدء العمل فى تطويرها منذ بداية 2007، وبدلا من محاسبة المسؤولين على تأخير الانتهاء من تطوير المزلقان استغل الحدث للدعاية عن نفسه وعرضه باعتباره أحد إنجازاته.

1271 مزلقانا لم يطلهم التطوير حتى الآن موزعة على جميع خطوط السكة الحديد بالمحافظات، فضلا عن المعابر غير القانونية وغير المعتمدة التى أقامها الأهالى والتى ليس لها حصر محدد، بجانب أن المزلقانات الواقعة داخل المدن والقرى تحولت إلى أسواق للباعة الجائلين وتجار الخضر والفواكه، وامتدت هذه الأسواق فى بعض المناطق لمسافات على شريط السكة الحديد.

وعلى مزلقان «بورطس» الواقع بمركز أوسيم بالجيزة يفترش تجار الخضر والفواكه شريط السكة الحديد، غالقين «السكة» تماما بخضرواتهم وبضائعهم، وعندما يسمعون جرس المزلقان أو «صفارة» الخفير يقومون بفتح سكة واحدة للقطار حتى يمر ثم يعاودون فرش بضاعتهم مرة أخرى عقب مرور القطار أما غرفة خفير هذا المزلقان فاستولوا عليها، وقاموا بربط دوابهم فيها، فيما يلجأ الخفيران المسؤولان عن هذا المزلقان لتركه والتواجد فى محطة سكة حديد «بورطس» مع مراقب برج هذه المحطة التى تبعد نحو 150 مترا عن المزلقان.
يقول الخفيران المسؤولان عن مزلقان «بورطس» لـ«اليوم السابع»، إنهما يرسلان استغاثات شبه يومية للمسؤولين بالسكة الحديد من تعطيل الباعة لشريط السكة الحديد أمام المزلقان والاعتداءات التى يتعرضان لها لكن لم يتحرك أى مسؤول، بل إن المفتشين الذين يقومون بالمرور عليهما أحيانا للتأكد من تواجدهما فى أماكنهما لا يستطيعون الاقتراب من الباعة، لذلك لا يعترضون على عدم تواجدهما بأماكنهما فى غرفة المزلقان بعدما استولى عليها الباعة ودوابهم.

وقالا خفيرا مزلقان بورطس: إن المياه والزبالة التى يتركها الباعة خلفهم على القضبان الحديدية تؤثر على سلامتها، مما يهدد سلامة ركاب القطارات، لدرجة أنه منذ شهور خرج قطار عن القضبان على المزلقان بسبب هذه المياه والزبالة، وأنقذت العناية الإلهية ركابه، لافتين إلى أن موظفى الوحدة المحلية بقرية بورطس يتقاضون إتاوات من الباعة، مدللين على اتهامهما بأنه منذ نحو 3 شهور عندما طلب مسؤولو مركز أوسيم من موظفى الوحدة المحلية إبعاد الباعة عن هذا المزلقان مقابل صرف حافز لهم، قاموا بإقناع الباعة بالابتعاد عن المزلقان بعدما أخبروهم بأن المحافظ والوزير سوف يقومون بالمرور على أن يعودوا فى اليوم التالى.. وبالفعل أخلوا المزلقان من أى باعة طوال هذا اليوم، لكنهم عادوا فى اليوم التالى، مما يؤكد وجود اتفاق بين الباعة والموظفين.

تركنا مزلقان بورطس وتوجهنا إلى مزلقان «بشتيل» فى إمبابة بالجيزة الذى بدأ أعمال تطويره منذ نحو 4 سنوات، ولم تنته حتى اليوم، فى كشك خشبى بجوار المزلقان، التقينا خفيره أيمن حسنى، واستطعنا أن نلحظ هدم الغرفة الملحقة بهذا المزلقان ليقام فى موقعها غرفة جديدة بالمواصفات التى وضعتها الوزارة للمزلقانات المطورة يتوفر بها الحد الأدنى من الاحتياجات التى تلزم الخفير، أما الأهالى فحولوا جانبا من المزلقان إلى «مقلب» للقمامة.
وأوضح أيمن حسنى خفير مزلقان بشتيل أن المزلقان بدأ تطويره منذ أكثر من 4 سنوات، وكل عدة شهور يرون مقاولا مختلفا.. تأتى عماله لعدة أيام يقومون ببعض الأعمال فى تطوير المزلقان ثم يأتى مقاول غيره ويفعل نفس الشىء، وحتى اليوم لم ينته تطوير المزلقان، مستطردا: «بنقعد فى كشك خشبى غير آدمى أمام مقلب الزبالة ولما بنحتاج نقضى حاجتنا بنروح نعملها على شريط السكة الحديد فى الخلاء وبنخاف نسيب المزلقان ونروح جامع نقضى حاجتنا أو نصلى، تحصل مصيبة».

وأفاد حسنى بأنه يعمل خفيرا منذ أكثر من 7 سنوات وإجمالى ما يتحصل عليه شهريا من السكة الحديد لا يزيد على 1050 جنيها، وأنه يعمل فى مكان غير آدمى، لافتا إلى أنه لا يمر شهر إلا ويسقط قتيل من أهالى المنطقة بصدمة قطار أثناء عبوره شريط السكة الحديد، كما أن الأهالى يعبرون من شريط السكة الحديد مستغلين امتداده لمسافة أمتار كبيرة على جانبى المزلقان فى الاتجاهين بدون وجود سور يحمى المواطنين وخاصة صغار السن ويمنع عبورهم من الأماكن غير المخصصة للعبور، كما أن السلسلة الحديدية لا تغطى عرض المزلقان بالكامل لذلك يقتحمه الكثير من السائقين أثناء إغلاقه.

وعلى مزلقان «أرض اللواء» الواقع على خط السكة الحديد الطوالى بين القاهوة وأسوان والكائن فى بولاق الدكرور بالجيزة كان بجوار الخفيرين عسكرى شرطة، حيث إن أغلب المزلقانات على مستوى الجمهورية لا يوجد عليها أفراد شرطة، ورغم أن هذا المزلقان شهد منذ أسابيع حادث مروع، قتل خلاله 4 مواطنين عندما اصطدم قطار بسيارة تاكسى اقتحمته أثناء إغلاقه بالجنازير الحديدية، إلا أن حاله لم يتغير ومازال يعمل بشكل بدائى.
ورغم تصريحات المسؤولين عقب حادث المزلقان عن رصد 2 مليون جنيه لتطوير هذا المزلقان، فإن المفاجأة التى طالعناها أثناء زيارتنا للمزلقان أن التطوير لم يتعد أكثر من بناء غرفة بطول مترين وعرض متر واحد تقريبا، يجلس أسفلها الخفيران وفرد الشرطة يحتمون فيها من حرارة الشمس، حيث كان موجود قبلها «كشك خشبى» والغرفة الجديدة ليس بها أكثر من تليفون أرضى وكرسى خشبى.

ويقول عم أحمد إبراهيم حسن، خفير مزلقان أرض اللواء: «قالوا صرفنا 2 مليون جنيه على تطوير المزلقان وكل اللى عملوه إنهم بنوا أوضة متنفعش يقعد فيها بنى آدم»، لافتا إلى أنهم يعانون من سائقى التوك توك والموتسكيلات الذين يصرون على العبور أثناء إغلاق المزلقان، وكذلك المواطنون الذين يعبرون غير مبالين بقدوم القطار أو إغلاق المزلقان.
وأكد عم حسن أنهم يعملون فى ظروف قاسية جدا مع الكثافة المرورية على هذا المزلقان الذى يخدم أهالى بولاق ومطار إمبابة وأرض اللواء، ورغم ذلك بعد 32 عاما من عمله كخفير مزلقان لا يتعدى إجمالى ما يحصل عليه شهريا الـ1400 جنيه، مستطردا: «ربنا يتوب على ويخرجنى من هنا بالسلامة.. باقى لى شهر واخرج على المعاش»، مشيرا إلى أنه رغم الظروف التى يعمل بها والمعاناة التى يلقاها من سلوكيات المواطنين مع مزلقان ليس متوفر فيه أى مواصفات للسلامة، فإن أى حادث يقع أول من يُساءل هو، ويدفع به المسؤولون ككبش فداء لهم. وأوضح خفير المزلقان صلاح أحمد موسى زميل عم حسن على مزلقان أرض اللواء، أنه ليس معهما سوى «صفارة» ينبهان بها المارة، ولا يوجد لديهما وسيلة اتصال لمتابعة حركة القطارات والتواصل مع برج المراقبة غير تليفون أرضى أحيانا يتعطل ويلجآن حينها إلى استخدام تليفوناتهما الشخصية، رغم أنه مفترض يكون معهما جهاز لاسكلى يتواصلان من خلاله، وكذلك تليفون محمول تسلمه لهما هيئة السكة الحديد أسوة ببعض طوائف التشغيل الذين هم عملهم أقل أهمية من عمل الخفراء، لافتا إلى أنهما أحيانا يتعرضان لاعتداءات من السائقين والمواطنين عند اعتراضهما أثناء مرورهم بعد إغلاق المزلقان. وقال موسى: «يعتدون علينا رغم أن ما نفعله لحماية أرواحهم»، لكن بعض الأشخاص لا يقدر ذلك، لافتا إلى أنهم يعملون فى ظروف صعبة وغير آدمية، مستطردا: «نقضى حاجتنا على شريط السكة الحديد ومرتبى بعد 13 عاما لا يزيد على 1100 جنيه».

وفى مزلقان سكة حديد العياط الواقع على الخط الطوالى بين القاهرة وأسوان رصدنا زحام البائعين على شريط السكة الحديد وعلى جانبى المزلقان، لدرجة أن سائقى القطارات يضطرون لتخفيض سرعتها لهذه المسافة خوفا من الاصطدام بأى من هؤلاء الباعة المتزاحمين على شريط السكة الحديد.. فالقطار بالكاد يمر من بين الباعة المفترشين شريط السكة الحديد، لذلك تأخيرات القطارات أحيانا تصل لساعات فقط بسبب باعة هذا المزلقان وبالأخص يوم الأحد المخصص للسوق أسبوعيا بشكل معلن فى هذه المنطقة. وكان المهندس حسين زكريا رئيس هيئة السكك الحديدية، قد صرح أثناء زيارته الأخيرة منذ أيام إلى المنوفية بصحبة وزير النقل لافتتاح مزلقان من ضمن المزلقانات المدرجة بخطة 2006، بأنه تم الانتهاء من الأعمال المدنية لـ 152 مزلقانا جارى تطويرها، وجار الانتهاء من نظام التحكم الإلكترونى بهذه المزلقانات، متعهدا بالانتهاء من تطوير 550 مزلقانا على مستوى الهيئة بحلول عام 2015، وهى من المزلقانات التى تمثل خطورة كبيرة على خطوط السكة الحديد. اللافت أن ما تحدث عنه زكريا مدرج بخطة 2006 لتطوير المزلقانات التى يشهد تنفيذها «بطء شديد» وكان مخطط الانتهاء من المرحلة الأولى منها التى تشمل 345 مزلقانا نهاية 2010، لكن كل ما تم الانتهاء منه حتى اليوم 51 مزلقانا.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى