أعمدة

ياسر أيوب | يكتب : الحزن على من ماتوا هناك

%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%B1 %D8%A3%D9%88%D8%A8

ليس فينا من لم يعرف مثل هذا الحزن والوجع لغياب ورحيل إنسان يحبه.. أب أو أم أو أخ أو أخت أو ابن أو ابنة أو صديق أو أستاذ.

ويبقى الجميع على قيد الحياة بهمومها وشواغلها وأحلامها وضروراتها دون أن يعنى ذلك نسيان مواجع وأحزان الرحيل والغياب ويوم أمس عاد كثيرون جدا لتذكر اثنين وسبعين شابًا وصبيا ماتوا فى مدرجات استاد بورسعيد بعد مباراة كرة بين المصرى والأهلى .

هناك ماتوا دون أن يرتكبوا جريمة أو خطيئة إلا عشق كرة القدم والانتماء للنادى الأهلى فقدوا حياتهم وهم يجلسون فى مدرجات كرة قدم ويرتدون فانلات الأهلى الحمراء مشهد يؤلم كل من لايزال إنسانا يملك قلبا وإحساسا ولايزال قادرا على الحزن.

هذه هى الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى الحكاية كلها حكاية ما جرى فى استاد بورسعيد فى الأول من شهر فبراير 2012 ، أما غير ذلك فكلها أمور قابلة لألف تفسير وألف احتمال الذى خطط ودبر هذه المذبحة والذى ارتكب بيديه جريمة القتل الجماعى الذى يريد الثأر والقصاص من القتلة الحقيقيين  والذى يريد استغلال كل هذا الدم لتصفية حسابات قديمة وجديدة وشخصية أو من أجل مصالح أخرى فكل هذا يجرى أمامنا كلنا طيلة السنوات الخمس السابقة.. ولايزال هناك من يرفض الاعتراف بحقائق أخرى جديدة تكشفت سنة وراء أخرى خلال هذه السنوات الخمس الماضية فهؤلاء الضحايا الأبرياء ماتوا بالفعل فى استاد بورسعيد لكن بورسعيد لم تكن هى القاتلة.

المدينة وأهلها والنادى المصرى ومسؤولوه.. وعلى الرغم من الحزن الحقيقى والعميق الذى لايزال وسيبقى قائما إلا أن الحياة ستدوم وتستمر والذين يرفضون ذلك هم أنفسهم استمرت حياتهم ودامت أحلامهم وعاشوا أيامهم ولا يعنى استمرار الحياة نسيان هؤلاء الشهداء ودماءهم التى سالت فوق مدرجات الأسمنت التى لا تعرف الحزن ولا تملك الدموع .

وإذا كان هؤلاء من لايزالون يطالبون بالثأر والقصاص لهؤلاء الضحايا فمن حقهم ذلك ومن حقنا كلنا أيضا لكن ليس من الطبيعى والمنطقى أن تتغير وتتبدل المطالب بين الحين والآخر حتى كأن مصر كلها هى التى أجرمت وقتلت وليس هذا حقيقيا حقنا كلنا أن نطلب الثأر والقصاص، وحقنا كلنا أيضا أن نحزن وألا ننسى هؤلاء الشهداء وملامحهم البريئة، وأن يبقى فى ذاكرتنا خوف ملامحهم وهم لا يعرفون لماذا يموتون فى ملعب كرة.

وفى المقابل ليس طبيعيا أو حقيقيا أن تبقى قضية استاد بورسعيد تتداولها المحاكم وساحات القضاء كل هذا الوقت.. فالعدالة البطيئة هى أحد أشكال الظلم ولا أحد يستطيع لوم الذين يطلبون العدل ويطالبون بالعقاب اللائق بمن خطط وارتكب أبشع جريمة قتل فى ملعب كرة ليس فى مصر وحدها إنما فى العالم كله لا أحد يستطيع لوم كل من يريد أن يحزن ويبكى هؤلاء الذين داستهم أقدام الغدر والقسوة والوحشية لكنه فارق كبير جدا بين الذى يريد أن يحزن والذى يريد أن يبيع هذا الحزن ويقبض الثمن.

المصدر

 

زر الذهاب إلى الأعلى