أعمدة

طارق الشناوي | يكتب : فاتن وسرادق النميمة!!

طارق الشناوي2

فى حياة فاتن، لم تكن تسمح باقتحام الخصوصية وتلك التفاصيل التى تتعلق بمشاعرها العاطفية، إنها اللمحات التى تتعلق بأحاسيسها الخاصة كإنسان يحب ويكره، تتزوّج أو تُطلَّق، هذه مناطق فى الحياة لم تكن تسمح لأحد بالاقتراب منها.

تابع أرشيفها المكتوب والمسموع والمرئى، لن تجد على لسانها شيئا ما يكشف أو حتى يشير من طرف خفى إلى كل ذلك وغيره من المواقف التى تثير عادة شهية الصحافة بالمتابعة وتحقق ولا شك درجة من الشغف لا يمكن إنكارها مع الجماهير التى تريد أن ترى وتتابع الوجه الآخر.

فاتن تسير على نفس خطى أم كلثوم التى كانت تنتمى أيضا إلى نفس الجذور الريفية، محافظة الدقهلية، وإن كانت أم كلثوم ولدت فى قرية طماى الزهايرة بينما فاتن ابنة مركز السنبلاوين ، كل منهما كانت متحفظة فى السماح لأحد باقتحام تلك المساحة.

أم كلثوم لم تبُح مطلقا بذلك، وعلى كثرة من سجلوا حياتها صوتا مثل الإذاعى الكبير وجدى الحكيم والكاتب الكبير سعد الدين وهبة فهى لم تأذن إطلاقا بطرق هذا الباب، وهو ما سارت عليه فاتن.

حدث طلاق فاتن مع أول أزواجها المخرج عز الدين ذو الفقار فى نهايات عام 1954، لو قرأت الأرشيف فلن تجد فاتن تقول رأيا. الوحيد الذى تكلم هو عز الدين ذو الفقار، مؤكدا أن طبيعته البوهيمية كانت تتناقض تماما مع رقة فاتن حمامة، ولم يَزِد فى التفسير، بينما بالطبع لم يسلم الأمر من اجتهادات الصحافة للدخول والتشابك.

فاتن تعتبر أن من حقها كإنسان أن تواصل الحياة بعيدا عن عيون الإعلام، وعلينا أن نلتزم بما أرادته. البعض يحاول أن يحصل على ما يطلقون عليه بلغة الصحافة سَبْقًا فيسعى للتلصص على فاتن من الشباك بعد أن وجد الباب موصدا.

أكثر من زميل وأكثر من فضائية سألونى عن تلك المنطقة، وكان رأيى القاطع أن السيدة كانت لا تسمح فى حياتها، فلماذا نسمح لأنفسنا بعد ساعات من الرحيل أن نلوك سيرتها؟

أعلم جيدا أن هناك متخصصين وتجارا بين من يحملون القلم أو الميكروفون أو الكاميرا، لسنا ملائكة، وأن البعض سوف يدّعى بالحق قليلا وبالباطل كثيرا أشياء ومواقف لم تحدث، وسوف يدلون ويتكلمون وكأنهم العالمون ببواطن الأمور، بل إن الغموض الذى كانت تمنحه فاتن لحياتها الشخصية سوف يلعب دورا فى زيادة مساحة النهم لخلق تحابيش وإضافة رتوش للصورة لجعلها أكثر جاذبية. السور المرتفع الذى أقامته فاتن سوف يُغرى أكثر مع الأسف فى زيادة الرغبة فى التسلق.

كان عمر الشريف كثيرا ما يصرح فى أحاديثه بأن فاتن هى حبه الوحيد والأثير، وأنها المرأة الأولى والأخيرة فى حياته، ولم يتوقف إلا بعد أن وصلت إليه رسالة من فاتن تطلب ذلك، لأن هذا الرأى يجرح زوجها د. محمد عبد الوهاب، وتفهّم الشريف حساسية الموقف.

الثقافة الغربية لا تجد بأسا فى تناول كل شىء، الفنان هو إنسان، ولكننا نتعامل مع قواعد لم نصنعها وأفكار لم نستطع تغييرها.

كثيرا ما اقتحمنا حياة الكبار بعد رحيلهم، أم كلثوم مثلا التى لم تسمح حتى أن يعرف الناس فى حياتها أنها تأكل مثل البشر، زوجوها بعدها من كُثُر، وأشاعوا عنها علاقات، بل قالت السيدة د. رتيبة الحفنى فى كتاب لها إن أم كلثوم تزوجت مصطفى أمين وتناقل عديد من الكتاب الكبار تلك المعلومة باعتبارها حقيقة، رغم أن التى تزوجها مصطفى أمين هى الفنانة شادية، بينما أم كلثوم هى الصديقة الدائمة. وعبد الحليم فوجئنا بأن هناك من يدّعى بين أصدقائه بعد الرحيل أنه كان يراقبه من تحت السرير.

هل من الممكن أن نوقف النهم ونستجيب لوصية سيدة الشاشة؟ فهى لم ترد بعد رحيلها إقامة سرادق للعزاء، ولم ترد أيضا سرادقا للنميمة!!

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى